عَجُوزٌ فَقَالَتْ: مَا لَكَ يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهَا، فَقَالَتْ: هَا دُونَكَ هَذَا الْبُرْدَ عَلَيْهَا طَرَحَتْهُ عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَفِيهِ أَنَّ الْحَاكِمَ يُكَرِّرُ عَلَى النَّاكِلِ وَغَيْرِهِ ثَلَاثًا) .
٣٩٠٧ - (وَمِثْلُهُ مَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلَاثًا، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ) .
بَابُ الْحَاكِمِ يَشْفَعُ لِلْخَصْمِ وَيَسْتَوْضِعُ لَهُ
ــ
نيل الأوطار
بَابُ مُلَازَمَةِ الْغَرِيمِ إذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَإِعْدَاءِ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ
حَدِيثُ هِرْمَاسٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: هِرْمَاسُ بْنُ حَبِيبٍ الْعَنْبَرِيُّ رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَلِجَدِّهِ صُحْبَةٌ، وَذَكَرَ أَنَّهُ سَأَلَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ الْهِرْمَاسِ بْنِ حَبِيبٍ الْعَنْبَرِيِّ فَقَالَا: لَا نَعْرِفُهُ. وَقَالَ: سَأَلْت أَبِي عَنْ هِرْمَاسِ بْنِ حَبِيبٍ فَقَالَ: هُوَ شَيْخٌ أَعْرَابِيٌّ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ وَلَا يُعْرَفُ أَبُوهُ وَلَا جَدُّهُ. وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إلَّا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي يَحْيَى لَمْ أَجِدْ لَهُ رِوَايَةً عَنْ الصَّحَابَةِ، فَيَكُونُ مُرْسَلًا صَحِيحًا انْتَهَى.
قَوْلُهُ: (الْزَمْهُ) بِفَتْحِ الزَّايِ، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ مُلَازَمَةِ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ بَعْدَ تَقَرُّرِهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ. وَقَدْ حَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدِ وَجْهَيْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فَقَالُوا: إنَّهُ يَسِيرُ حَيْثُ سَارَ وَيَجْلِسُ حَيْثُ جَلَسَ غَيْرَ مَانِعٍ لَهُ مِنْ الِاكْتِسَابِ وَيَدْخُلُ مَعَهُ دَارِهِ، وَذَهَبَ أَحْمَدُ إلَى أَنَّ الْغَرِيمَ إذَا طَلَبَ مُلَازَمَةَ غَرِيمِهِ حَتَّى يَحْضُرَ بِبَيِّنَتِهِ الْقَرِيبَةِ. أُجِيبَ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ مُلَازَمَتِهِ ذَهَبَ مِنْ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ الْبَعِيدَةِ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْمُلَازَمَةَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهَا، بَلْ إذَا قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ، قَالَ الْحَاكِمُ: لَك يَمِينُهُ أَوْ أَخِّرْهُ حَتَّى تَحْضُرَ بَيِّنَتُكَ، وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْزَمْ غَرِيمَكَ بِمُرَاقَبَتِكَ لَهُ بِالنَّظَرِ مِنْ بُعْدٍ، وَلَعَلَّ الِاعْتِذَارَ عَنْ الْحَدِيثِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْمَقَالِ أَوْلَى مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ الْمُتَعَسِّفِ
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمُلَازَمَةِ بَلْ فِيهِ التَّشْدِيدُ عَلَى الدُّيُونِ بِإِيجَابِ الْقَضَاءِ وَعَدَمِ قَبُولِ دَعْوَاهُ الْإِعْسَارَ لِمُجَرَّدِهَا مِنْ دُونِ بَيِّنَةٍ وَعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِيَمِينِهِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْمَالِ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا قَوْلُهُ: (مَا تُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ بِأَسِيرِكَ) سَمَّاهُ أَسِيرًا بِاعْتِبَارِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْمَذَلَّةِ بِالْمُلَازَمَةِ لَهُ وَكَثْرَةِ تَذَلُّلِهِ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ، وَكَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَرِّضُ بِالشَّفَاعَةِ. وَقَدْ زَادَ رَزِينٌ بَعْدَ قَوْلِهِ: " مَا تُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ بِأَسِيرِكَ، فَأَطْلِقْهُ " قَوْلُهُ: (وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا) لَعَلَّ هَذَا فِي الْأُمُورِ الَّتِي يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُحْفَظَ عَنْهُ وَتَنْقُلَهَا النَّاسُ إلَى بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِخِلَافِ الْكَلَامِ فِي الْمُحَاوَرَاتِ الَّتِي تَجْرِي مِنْ دُونِ قَصْدٍ إلَى حِفْظِهَا لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ، فَلَعَلَّ التَّكْرَارَ فِيهَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي ذَلِكَ، مَثَلًا لَوْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -