٣٧٨ - (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} البقرة: ٢٢٢ } إلَى آخِر الْآيَة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ» } وَفِي لَفْظٍ " إلَّا الْجِمَاعَ " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ)
ــ
نيل الأوطار
بِأَنَّ حَبِيبًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَإِنَّمَا سَمِعَ مِنْ عُرْوَةَ الْمُزَنِيّ، فَإِنْ كَانَ عُرْوَةُ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ فَالْإِسْنَادُ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ حَبِيبَ بْنَ أَبِي ثَابِتٍ مُدَلِّسٌ، وَإِنْ كَانَ عُرْوَةُ هُوَ الْمُزَنِيّ فَهُوَ مَجْهُولٌ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَعَنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمَعَةَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ.
وَالْحَدِيثُ يَدُلّ عَلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ لَا يَجِبُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَيْضِ، وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي قَبْلَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ. .
بَابُ تَحْرِيمِ وَطْءِ الْحَائِضِ فِي الْفَرْجِ وَمَا يُبَاحُ مِنْهَا
قَوْلُهُ: (فَسَأَلَ) السَّائِلُ عَنْ ذَلِكَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، وَقِيلَ: إنَّ السَّائِلَ عَنْ ذَلِكَ هُوَ أَبُو الدَّحْدَاحِ قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الصَّحِيحِ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى حُكْمَيْنِ: تَحْرِيمِ النِّكَاحِ، وَجَوَازِ مَا سِوَاهُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَبِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ الصَّرِيحَةِ وَمُسْتَحِلُّهُ كَافِرٌ، وَغَيْرُ الْمُسْتَحِلِّ إنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لِوُجُودِ الْحَيْضِ أَوْ جَاهِلًا لِتَحْرِيمِهِ أَوْ مُكْرَهًا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ، إنْ وَطِئَهَا عَامِدًا عَالِمًا بِالْحَيْضِ وَالتَّحْرِيمِ مُخْتَارًا فَقَدْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً كَبِيرَةً نَصَّ عَلَى كِبَرِهَا الشَّافِعِيُّ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ، وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ. وَأَمَّا الثَّانِي: أَعْنِي جَوَازَ مَا سِوَاهُ فَهُوَ قِسْمَانِ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ بِالذَّكَرِ أَوْ الْقُبْلَةِ أَوْ الْمُعَانَقَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ حَلَالٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْجَوَازِ جَمَاعَةٌ.
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُبَاشِرُ شَيْئًا مِنْهَا بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَلَا مَقْبُولٍ، وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَرْدُودًا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَبِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الْمُخَالِفِ وَبَعْدَهُ. الْقِسْمُ الثَّانِي: فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فِي غَيْرِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ، وَفِيهَا ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: الْأَشْهَرُ مِنْهَا التَّحْرِيمُ. وَالثَّانِي عَدَمُ التَّحْرِيمِ مَعَ الْكَرَاهَةِ.