٤٢٨ - (عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى الْعَوَالِي فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ وَلِلْبُخَارِيِّ: وَبَعْضُ الْعَوَالِي مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَكَذَلِكَ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد مَعْنَى ذَلِكَ)
ــ
نيل الأوطار
الِاخْتِيَارِ، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَهَذَا الْحَدِيثُ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ فِي إثْبَاتِ الْوَقْتَيْنِ لِلْمَغْرِبِ، وَجَوَازِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ أَوْلَى مِنْ حَدِيثِ جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَهَذَا مُتَأَخِّرٌ وَمُتَضَمِّنٌ زِيَادَةً فَكَانَ أَوْلَى، وَفِيهِ مِنْ الْعِلْمِ جَوَازُ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ السُّؤَالِ انْتَهَى. وَهَكَذَا صَرَّحَ الْبَيْهَقِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ صَلَاةَ جِبْرِيلَ كَانَتْ بِمَكَّةَ، وَقِصَّةُ الْمَسْأَلَةِ بِالْمَدِينَةِ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الْوَقْتَ الْآخِرَ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ رُخْصَةٌ. وَقَدْ ذَكَرْنَا طَرَفًا مِنْ ذَلِكَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ جِبْرِيلَ، وَفِيهِ زِيَادَةُ أَنَّ ذَلِكَ فِي صَبِيحَةِ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ.
وَقَوْلُهُ: (الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ) يَنْفِي بِمَفْهُومِهِ وَقْتَيْهِ مَا عَدَاهُ، وَلَكِنَّ حَدِيثَ: «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَمِنْ الْفَجْرِ رَكْعَةً قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ» وَغَيْرَهُ، مَنْطُوقَاتٌ، وَهِيَ أَرْجَحُ مِنْ الْمَفْهُومِ، وَلَا يُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ، وَقَدْ أَمْكَنَ بِمَا عَرَفْتَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَوْ صِرْتَ إلَى التَّرْجِيحِ لَكَانَ حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ قَبْلَ هَذَا مَانِعًا مِنْ التَّمَسُّكِ بِتِلْكَ الْمَنْطُوقَاتِ، وَالْمَصِيرُ إلَى الْجَمْعِ لَا بُدَّ مِنْهُ.
بَاب مَا جَاءَ فِي تَعْجِيلِهَا وَتَأْكِيدِهِ مَعَ الْغَيْمِ
قَوْلُهُ: (فَيَذْهَبُ) فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى قُبَاءَ " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَيْضًا " ثُمَّ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَيَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ ".
قَوْلُهُ: " وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ " قَالَ الْخَطَّابِيِّ حَيَاتُهَا وُجُودُ حَرِّهَا، قَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادِهِ إلَى خَيْثَمَةَ أَنَّهُ قَالَ: حَيَاتُهَا أَنْ تَجِدَ حَرَّهَا. قَوْلُهُ: (إلَى الْعَوَالِي) هِيَ الْقُرَى الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ أَبْعَدُهَا عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَأَقْرَبُهَا مِيلَانِ وَبَعْضُهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَبِهِ فَسَّرَهَا مَالِكُ، كَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْمُبَادَرَةِ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ أَوَّلَ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَذْهَبَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِيلَيْنِ وَثَلَاثَةً وَالشَّمْسُ لَمْ تَتَغَيَّرْ بِصُفْرَةٍ وَنَحْوِهَا إلَّا إذَا صَلَّى الْعَصْرَ حِين صَارَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَا يَكَادُ يَحْصُلُ هَذَا إلَّا فِي الْأَيَّامِ الطَّوِيلَةِ وَهُوَ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ مِنْ الْعِتْرَةِ