بَابُ لُبْثِ الْإِمَامِ بِالرِّجَالِ قَلِيلًا لِيَخْرُجَ مَنْ صَلَّى مَعَهُ مِنْ النِّسَاءِ
٨١٨ - (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَهُوَ يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ» قَالَتْ: فَنَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِكَيْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ الرِّجَالُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ) .
ــ
نيل الأوطار
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: أَكْثَرُ مَا «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ» الْمُنَافَاةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ صِيغَةُ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ تَارَةً هَذَا وَتَارَةً هَذَا، فَأَخْبَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ الْأَكْثَرُ وَإِنَّمَا كَرِهَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنْ يُعْتَقَدَ وُجُوبُ الِانْصِرَافِ عَنْ الْيَمِينِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يُحْمَلَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى حَالَةِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ حُجْرَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ مِنْ جِهَةِ يَسَارِهِ
وَيُحْمَلُ حَدِيثُ أَنَسٍ عَلَى مَا سِوَى ذَلِكَ كَحَالِ السَّفَرِ، ثُمَّ إذَا تَعَارَضَ اعْتِقَادُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ رُجِّحَ ابْنُ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ وَأَسَنُّ وَأَجَلُّ وَأَكْثَرُ مُلَازَمَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَقْرَبُ إلَى مَوَاقِفِهِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَنَسٍ وَبِأَنَّ فِي إسْنَادِ حَدِيثِ أَنَسٍ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ وَهُوَ السُّدِّيَّ، وَبِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَبِأَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ تُوَافِقُ ظَاهِرَ الْحَالِ؛ لِأَنَّ حُجْرَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ عَلَى جِهَةِ يَسَارِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ: ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ مَنْ قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ انْصِرَافِهِ عَنْ يَسَارِهِ نَظَرَ إلَى هَيْئَتِهِ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ وَمَنْ قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ انْصِرَافِهِ عَنْ يَمِينِهِ نَظَرَ إلَى هَيْئَتِهِ فِي حَالِ اسْتِقْبَالِهِ الْقَوْمَ بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْ الصَّلَاةِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَخْتَصُّ الِانْصِرَافُ بِجِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْعُلَمَاءُ: يُسْتَحَبُّ الِانْصِرَافُ إلَى جِهَةِ حَاجَتِهِ لَكِنْ قَالُوا: إذَا اسْتَوَتْ الْجِهَتَانِ فِي حَقِّهِ فَالْيَمِينُ أَفْضَلُ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِفَضْلِ التَّيَامُنِ
قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: فِيهِ أَنَّ الْمَنْدُوبَاتِ قَدْ تَنْقَلِبُ مَكْرُوهَاتٍ إذَا رُفِعَتْ عَنْ رُتْبَتِهَا؛ لِأَنَّ التَّيَامُنَ مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ شَيْءٍ لَكِنْ لَمَّا خَشِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنْ يَعْتَقِدُوا وُجُوبَهُ، أَشَارَ إلَى كَرَاهَتِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ أَنْ سَاقَ حَدِيثَ هُلْبٍ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ: وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَتْ حَاجَتُهُ عَنْ يَمِينِهِ، أَخَذَ عَنْ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَتْ حَاجَتُهُ عَنْ يَسَارِهِ أَخَذَ عَنْ يَسَارِهِ.
بَابُ لُبْثِ الْإِمَامِ بِالرِّجَالِ قَلِيلًا لِيَخْرُجَ مَنْ صَلَّى مَعَهُ مِنْ النِّسَاءِ
الْحَدِيثُ فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ مُرَاعَاةُ أَحْوَالِ الْمَأْمُومِينَ وَالِاحْتِيَاطُ فِي اجْتِنَابِ مَا قَدْ يَقْضِي إلَى الْمَحْذُورِ وَاجْتِنَابُ مَوَاقِعِ التُّهَمِ وَكَرَاهَةُ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الطُّرُقَاتِ فَضْلًا