بَابُ كَرَاهَةِ تَنَخُّمِ الْمُصَلِّي قِبَلَهُ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ
٨٥٧ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى نُخَامَةً فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَ حَصَاةً فَحَتَّهَا وَقَالَ: إذَا تَنَخَّمَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَخَّمْنَ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " فَيَدْفِنُهَا ") .
٨٥٨ - (وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَا يَبْزُقَنَّ قِبَلَ قِبْلَتِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ» ، ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ وَرَدَّ
ــ
نيل الأوطار
الرَّجُلِ وَهُوَ مَعْقُوصُ الشَّعْرِ أَوْ مَكْفُوفُهُ. وَقَدْ حَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَمِمَّنْ كَرِهَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَحُذَيْفَةُ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ. وَمِنْ التَّابِعِينَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ فِي آخَرِينَ. وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الشَّعْرَ يَسْجُدُ مَعَهُ إذَا سَجَدَ وَفِيهِ امْتِهَانٌ لَهُ فِي الْعِبَادَةِ، قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَيْهِ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَرَأَى فِيهِ رَجُلًا يُصَلِّي عَاقِصًا شَعْرَهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إذَا صَلَّيْت فَلَا تَعْقِصْ شَعْرَك فَإِنَّ شَعْرَك يَسْجُدُ مَعَك، وَلَك بِكُلِّ شَعْرَةٍ أَجْرٌ، فَقَالَ الرَّجُلُ: إنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَتَرَّبَ فَقَالَ: تَتْرِيبُهُ خَيْرٌ لَك وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لِرَجُلٍ رَآهُ يُصَلِّي مَعْقُوصًا شَعْرُهُ: أَرْسِلْهُ لِيَسْجُدَ مَعَك.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَقَدْ عَقَدَ شَعْرَهُ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي وَقَدْ عَقَصَ شَعْرَهُ مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَمْثِيلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِالْمَكْتُوفِ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ سُجُودِ الشَّعْرِ فَإِنَّ الْمَكْتُوفَ لَا يَسْجُدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «الْيَدَانِ يَسْجُدَانِ كَمَا يَسْجُدُ الْوَجْهُ» .
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا صَلَّى وَقَعَ شَعْرُهُ عَلَى الْأَرْضِ وَظَاهِرُ النَّهْيِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ التَّحْرِيمُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا لِقَرِينَةٍ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ لِأَنَّ شَعْرَهُنَّ عَوْرَةٌ يَجِبُ سَتْرُهُ فِي الصَّلَاةِ، فَإِذَا نَقَضَتْهُ رُبَّمَا اسْتَرْسَلَ وَتَعَذَّرَ سَتْرُهُ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهَا. وَأَيْضًا فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَيْهَا فِي نَقْضِهِ لِلصَّلَاةِ وَقَدْ رَخَّصَ لَهُنَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنْ لَا يَنْقُضْنَ ضَفَائِرَهُنَّ فِي الْغُسْلِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى بَلِّ جَمِيعِ الشَّعْرِ كَمَا تَقَدَّمَ.