إلَّا فِيمَا لَهُ شَرَفٌ فِي الْغَالِبِ، وَاخْتِصَاصُهُ بِذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ تَصْغِيرِهِ، إذْ يَجُوزُ تَحْقِيرُ مَنْ لَهُ خَطَرٌ أَوْ تَقْلِيلُهُ عَلَى أَنَّ الْخَطَرَ فِي نَفْسِهِ لَا يُنَافِي التَّصْغِيرَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَهُ خَطَرٌ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَيْضًا لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ التَّصْغِيرِ وَبَيْنَ التَّحْقِيرِ أَوْ التَّقْلِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي لِلتَّعْظِيمِ كَقَوْلِهِ:
وَكُلُّ أُنَاسٍ سَوْفَ تَدْخُلُ بَيْنَهُمْ ... دُوَيْهِيَّةٌ تَصْفَرُّ مِنْهَا الْأَنَامِلُ
وَلِلتَّلَطُّفِ كَقَوْلِهِ:
يَا مَا أُمَيْلِحَ غِزْلَانًا شَدَنَّ لَنَا
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْآلِ عَلَى أَقْوَالٍ يَأْتِي ذِكْرُهَا فِي بَابِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى تَفْسِيرِ آلِهِ الْمُصَلَّى عَلَيْهِمْ مِنْ أَبْوَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ.
وَالصَّحْبُ بِفَتْحِ الصَّادِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ: اسْمُ جَمْعٍ لِصَاحِبٍ كَرَكْبٍ لِرَاكِبٍ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الصَّحَابِيِّ عَلَى أَقْوَالٍ: مِنْهَا أَنَّهُ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ مُسْلِمًا وَإِنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ وَلَا جَالَسَهُ. وَمِنْهُمْ مِنْ اعْتَبَرَ طُولَ الْمُجَالَسَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ أَنْ يَمُوتَ عَلَى دِينِهِ. وَبَيَانُ حُجَجِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَرَاجِحِهَا مِنْ مَرْجُوحِهَا مَبْسُوطٌ فِي الْأُصُولِ وَعِلْمِ الِاصْطِلَاحِ فَلَا نُطَوِّلُ بِذِكْرِهِ.
وَذَكَرَ السَّلَامَ بَعْدَ الصَّلَاةِ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا} الأحزاب: ٥٦ وَفِي مَعْنَاهُ أَقْوَالٌ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ الْأَمَانُ أَيْ التَّسْلِيمُ مِنْ النَّارِ. وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، وَالْمُرَادُ: السَّلَامُ عَلَى حِفْظِك وَرِعَايَتِك مُتَوَلٍّ لَهُمَا وَكَفِيلٌ بِهِمَا. وَقِيلَ: هُوَ الْمُسَالَمَةُ وَالِانْقِيَادُ.
(هَذَا كِتَابٌ يَشْتَمِلُ عَلَى جُمْلَةٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الَّتِي تَرْجِعُ أُصُولُ الْأَحْكَامِ إلَيْهَا وَيَعْتَمِدُ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهَا) الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ هَذَا إلَى الْمُرَتَّبِ الْحَاضِرِ فِي الذِّهْنِ مِنْ الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ أَوْ أَلْفَاظِهَا أَوْ نُقُوشِ أَلْفَاظِهَا، أَوْ الْمَعَانِي مَعَ الْأَلْفَاظِ، أَوْ مَعَ النُّقُوشِ، أَوْ الْأَلْفَاظِ وَالنُّقُوشِ، أَوْ مَجْمُوعِ الثَّلَاثَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ وَضْعُ الدِّيبَاجَةِ قَبْلَ التَّصْنِيفِ أَوْ بَعْدَهُ، إذْ لَا وُجُودَ لِوَاحِدٍ مِنْهَا فِي الْخَارِجِ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ نَفْيَ وُجُودِ النُّقُوشِ فِي الْخَارِجِ خِلَافُ الْمَحْسُوسِ فَكَيْفَ يَصِحُّ جَعْلُ الْإِشَارَةِ إلَى مَا فِي الذِّهْنِ عَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ؟ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ النُّقُوشِ فِي الْخَارِجِ لَا يَكُونُ إلَّا شَخْصًا، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ نُقُوشَ كِتَابِ الْمُصَنِّفِ الْمَوْجُودِ حَالَ الْإِشَارَةِ مَثَلًا لَيْسَتْ الْمَقْصُودَةَ بِالتَّسْمِيَةِ بَلْ الْمَقْصُودُ وَصْفُ النَّوْعِ وَتَسْمِيَتُهُ وَهُوَ الدَّالُّ عَلَى تِلْكَ الْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّخْصُ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ الْمَفْهُومِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا حُصُولَ لِهَذَا الْكُلِّيِّ، فَالْإِشَارَةُ عَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ إلَى الْحَاضِرِ فِي الذِّهْنِ فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُ اسْمِ الْإِشَارَةِ هُنَا مَجَازًا تَنْزِيلًا لِلْمَعْقُولِ مَنْزِلَةَ الْمَحْسُوسِ لِلتَّرْغِيبِ