٩٠٦ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَلْيُصَلِّهِمَا بَعْدَمَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَاهُمَا مَعَ الْفَرِيضَةِ لَمَّا نَامَ عَنْ الْفَجْرِ فِي السَّفَرِ) .
ــ
نيل الأوطار
وَإِنْ لَمْ يَرْكَعُوهُمَا فَلْيَسْكُتُوا، إذَا عَرَفْتَ الْكَلَامَ فِي الِاضْطِجَاعِ تَبَيَّنَ لَكَ مَشْرُوعِيَّتُهُ، وَعَلِمْتَ بِمَا أَسْلَفْنَا لَكَ مِنْ أَنَّ تَرْكَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُعَارِضُ الْأَمْرَ لِلْأُمَّةِ الْخَاصِّ بِهِمْ وَلَاحَ لَكَ قُوَّةُ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ وَالتَّقْيِيدِ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّ الِاضْطِجَاعَ كَانَ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ يُشْعِرُ بِأَنَّ حُصُولَ الْمَشْرُوعِ لَا يَكُونُ إلَّا بِذَلِكَ لَا بِالِاضْطِجَاعِ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ، وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ
وَأَمَّا مَعَ التَّعَذُّرِ فَهَلْ يَحْصُلُ الْمَشْرُوعُ بِالِاضْطِجَاعِ عَلَى الْأَيْسَرِ أَمْ لَا؟ بَلْ يُشِيرُ إلَى الِاضْطِجَاعِ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ، جَزَمَ بِالثَّانِي ابْنُ حَزْمٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَلْبَ مُعَلَّقٌ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ، فَإِذَا اضْطَجَعَ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ غَلَبَهُ النَّوْمُ، وَإِذَا اضْطَجَعَ عَلَى الْأَيْمَنِ قَلِقَ لِقَلَقِ الْقَلْبِ وَطَلَبِهِ لِمُسْتَقَرِّهِ.
الْحَدِيثُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إخْرَاجِهِ لَهُ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ مِنْ أَبْوَابِ الْأَوْقَاتِ.
وَالْحَدِيثُ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَرْكَعْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ، فَلَا يَفْعَلْ بَعْدَ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَخْرُجَ الْوَقْتُ الْمَنْهِيُّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَحَكَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُمْ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيِّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا يُفْعَلَانِ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَيَكُونَانِ أَدَاءً.
وَالْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ صَرِيحًا عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَهُمَا قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ لَا يَفْعَلُهُمَا إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْأَمْرُ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّهِمَا مُطْلَقًا أَنْ يُصَلِّيَهُمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا إذَا تُرِكَا فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ فُعِلَا فِي وَقْتِ الْقَضَاءِ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ فِعْلِهِمَا بَعْد صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ فَإِنَّهَا بِلَفْظِ: «مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُصَلِّهِمَا» وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ أَيْضًا حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو أَوْ ابْنِ فَهْدٍ أَوْ ابْنِ سَهْلٍ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الصُّبْحَ، ثُمَّ انْصَرَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدَنِي أُصَلِّي، فَقَالَ: مَهْلًا يَا قَيْسُ أَصَلَاتَانِ مَعًا؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَمْ أَكُنْ