. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
وَلَوْ كَانَتْ فَرْضَ كِفَايَةٍ لَكَانَتْ قَائِمَةً بِالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ مَعَهُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ التَّهْدِيدَ بِالتَّحْرِيقِ الْمَذْكُورِ يَقَعُ فِي حَقِّ تَارِكِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ لِمَشْرُوعِيَّةِ قِتَالِ تَارِكِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيقَ الَّذِي يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ أَخَصُّ مِنْ الْمُقَاتَلَةِ، وَلِأَنَّ الْمُقَاتَلَةَ إنَّمَا يُشْرَعُ فِيهَا إذَا تَمَالَأَ الْجَمِيعُ عَلَى التَّرْكِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَذَهَبَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ حِبَّانَ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَجَمَاعَةٌ، وَمِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَبُو الْعَبَّاسِ إلَى أَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ. وَاخْتَلَفُوا، فَبَعْضُهُمْ قَالَ: هِيَ شَرْطٌ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ دَاوُد وَمَنْ تَبِعَهُ، وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ الْبَاقُونَ: إنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ غَيْرُ شَرْطٍ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، قَالَ الْحَافِظُ: هُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَبِهِ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَذَهَبَ الْبَاقُونَ إلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالْهَادِي وَالْقَاسِمِ وَالنَّاصِرِ وَالْمُؤَيَّدِ بِاَللَّهِ وَأَبِي طَالِبٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَجْوِبَةٍ، الْأَوَّلُ: أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ شَرْطًا أَوْ فَرْضًا لَبَيَّنَ ذَلِكَ عِنْدَ التَّوَعُّدِ كَذَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْحُضُورِ وَهُوَ كَافٍ فِي الْبَيَانِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَدِيث يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الْمُدَّعَى وَهُوَ عَدَمُ الْوُجُوبِ لِكَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَمَّ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْمُتَخَلِّفِينَ، وَلَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ فَرْضًا لَمَا تَرَكَهَا.
وَفِيهِ أَنَّ تَرْكَهُ لَهَا حَالَ التَّحْرِيقِ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّرْكَ مُطْلَقًا لِإِمْكَانِ أَنْ يَفْعَلَهَا فِي جَمَاعَةِ آخَرِينَ قَبْلَ التَّحْرِيقِ أَوْ بَعْدَهُ. الثَّالِثُ: قَالَ الْبَاجِيَّ وَغَيْرُهُ: إنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ مَوْرِدَ الزَّجْرِ، وَحَقِيقَتُهُ غَيْرُ مُرَادَةٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ: الْمُبَالَغَةُ، وَيُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ وَعِيدُهُمْ بِعُقُوبَةٍ لَا يُعَاقِبَهَا إلَّا الْكُفَّارُ. وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ عُقُوبَةِ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ قَبْلَ تَحْرِيمِ التَّعْذِيبِ بِالنَّارِ، وَكَانَ قَبْل ذَلِكَ جَائِزًا، عَلَى أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ هَذَا التَّوَعُّدَ وَقَعَ بَعْدَ التَّحْرِيمِ لَكَانَ مُخَصِّصًا لَهُ فَيَجُوزُ التَّحْرِيقُ فِي عُقُوبَةِ تَارِكِ الصَّلَاةِ. الرَّابِعُ: تَرْكُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَحْرِيقِهِمْ بَعْدَ التَّهْدِيدِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا عَفَا عَنْهُمْ. قَالَ عِيَاضٌ وَمَنْ تَبِعَهُ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَمَّ وَلَمْ يَفْعَلْ.
زَادَ النَّوَوِيُّ: وَلَوْ كَانَتْ فَرْضَ عَيْنٍ لَمَا تَرَكَهُمْ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّهُ لَا يَهُمُّ إلَّا بِمَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ لَوْ فَعَلَهُ، وَالتَّرْكُ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونُوا انْزَجَرُوا بِذَلِكَ، عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ أَحْمَدَ الَّتِي ذَكَرهَا الْمُصَنِّفُ فِيهَا بَيَانُ سَبَبِ التَّرْكِ. الْخَامِسِ: أَنَّ التَّهْدِيدَ لِقَوْمٍ تَرَكُوا الصَّلَاةَ رَأْسًا لَا مُجَرَّدَ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: " لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ " بِمَعْنَى لَا يَحْضُرُونَ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " الْعِشَاءُ فِي الْجَمْعِ " أَيْ فِي الْجَمَاعَةِ.
وَعِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ: «لَيَنْتَهِيَنَّ رِجَالٌ عَنْ تَرْكِهِمْ الْجَمَاعَاتِ أَوْ لَأُحَرِّقَنَّ بُيُوتَهُمْ» . السَّادِسُ: أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي الْحَثِّ عَلَى مُخَالَفَةِ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ لَا