. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: «فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ» وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ مِنْ حَدِيثِهِ، وَالْمُرَادُ بِالضَّعِيفِ فِي هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمَرِيضُ، وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ مَنْ فِيهِ ضَعْفٌ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْحَاصِلِ بِالْمَرَضِ أَوْ بِنُقْصَانِ الْخِلْقَةِ. وَزَادَ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " وَالصَّغِيرَ " وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ: " وَالْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ ". وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: " وَالْعَابِرَ السَّبِيلِ ".
قَوْلُهُ: (فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ) وَلِمُسْلِمٍ: " فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ " أَيْ مُخَفِّفًا أَوْ مُطَوِّلًا. وَاسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى جَوَازِ إطَالَةِ الْقِرَاءَةِ وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَهُوَ الْمُصَحَّحُ عِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُعَارِضُهُ عُمُومُ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: «إنَّمَا التَّفْرِيطُ أَنْ تُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْأُخْرَى» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَإِذَا تَعَارَضَتْ مَصْلَحَةُ الْمُبَالَغَةِ فِي الْكَمَالِ بِالتَّطْوِيلِ، وَمَفْسَدَةُ إيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا كَانَ مُرَاعَاةُ تَرْكِ الْمَفْسَدَةِ أَوْلَى. وَاسْتُدِلَّ بِعُمُومِهِ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ تَطْوِيلِ الِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُ لَهُ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ) فِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي، ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ سَعْدٍ. وَقَدْ أَخْرَجَ حَدِيثَ عُثْمَانَ الْمَذْكُورَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ.
قَوْلُهُ: (يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَيُكْمِلُهَا) فِيهِ أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ التَّخْفِيفِ لَا تَسْتَلْزِمُ أَنْ تَبْلُغَ إلَى حَدٍّ يَكُونُ بِسَبَبِهِ عَدَمُ تَمَامِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَقِرَاءَتِهَا، وَأَنَّ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْإِيجَازِ وَالْإِتْمَامِ لَا يُشْتَكَى مِنْهُ تَطْوِيلٌ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُتِمُّونَ وَيُوجِزُونَ وَيُبَادِرُونَ الْوَسْوَسَةَ، فَبَيَّنَ الْعِلَّةَ فِي تَخْفِيفِهِمْ. قَوْلُهُ: (إنِّي أَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " إنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ ".
قَوْلُهُ: (وَأَنَا أُرِيدُ إطَالَتَهَا) فِيهِ أَنَّ مَنْ قَصَدَ فِي الصَّلَاةِ الْإِتْيَانَ بِشَيْءٍ مُسْتَحَبٍّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ. قَوْلُهُ: (فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ) فِيهِ جَوَازُ إدْخَالِ الصِّبْيَانِ الْمَسَاجِدَ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى تَنْزِيهُ الْمَسَاجِدِ عَمَّنْ لَا يُؤْمَنُ حَدَثُهُ فِيهَا لِحَدِيثِ: " جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ " وَقَدْ تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (فَأَتَجَوَّزُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الرِّفْقِ بِالْمَأْمُومِينَ وَسَائِرِ الْأَتْبَاعِ وَمُرَاعَاةِ مَصَالِحِهِمْ، وَدَفْعِ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَتْ الْمَشَقَّةُ يَسِيرَةً وَإِيثَارُ تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ لِلْأَمْرِ يَحْدُثُ، قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُ لَهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ) هُوَ فِي الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُهُ: «إنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ فَأُرِيدُ إطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ» وَأَحَادِيثُ الْبَاب تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّخْفِيفِ لِلْأَئِمَّةِ وَتَرْكِ التَّطْوِيلِ لِلْعِلَلِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الضَّعْفِ وَالسَّقَمِ وَالْكِبَرِ وَالْحَاجَةِ وَاشْتِغَالِ خَاطِرِ أُمِّ الصَّبِيِّ بِبُكَائِهِ، وَيَلْحَقُ بِهَا مَا كَانَ فِيهِ مَعْنَاهَا.
قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: التَّخْفِيفُ لِكُلِّ إمَامٍ أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، مَنْدُوبٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ إلَيْهِ، إلَّا أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ أَقَلُّ الْكَمَالِ. وَأَمَّا الْحَذْفُ وَالنُّقْصَانُ فَلَا "؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَدْ نَهَى عَنْ نَقْرِ الْغُرَابِ، وَرَأَى رَجُلًا يُصَلِّي فَلَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ،