. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ، يَكُونُ أَمْرًا بِهِ كَمَا ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ.
وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ بِأَنَّ الْمَعْنَى: بَلِّغُوا أَبَا بَكْرٍ أَنِّي أَمَرْتُهُ، وَالْمَبْحَثُ مُسْتَوْفًى فِي الْأُصُولِ. قَوْلُهُ: (فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ) فِيهِ حَذْفٌ دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ، وَالتَّقْدِيرُ فَأَمَرُوهُ فَخَرَجَ. وَقَدْ وَرَدَ مُبَيَّنًا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: «فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ لَهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ رَقِيقًا: يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ» قَوْلُهُ: (فَوَجَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفْسِهِ خِفَّةً) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَجَدَ الْخِفَّةَ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ بِعَيْنِهَا، وَيُحْتَمَلُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (يُهَادَى) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الدَّالِ: أَيْ يَعْتَمِدُ عَلَى الرَّجُلَيْنِ مُتَمَايِلًا فِي مَشْيِهِ مِنْ شِدَّةِ الضَّعْفِ، وَالتَّهَادِي: التَّمَايُلُ فِي الْمَشْيِ الْبَطِيءِ قَوْلُهُ: (بَيْنَ رَجُلَيْنِ) فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُمَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا.
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: " أَنَّهُ خَرَجَ بَيْنَ بَرِيرَةَ وَثُوَيْبَةَ " قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْبَيْتِ إلَى الْمَسْجِدِ بَيْنَ هَاتَيْنِ، وَمِنْ ثَمَّ إلَى مَقَامِ الْمُصَلِّي بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى التَّعَدُّدِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيّ " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ بَيْنَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَالْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ ". قَالَ الْحَافِظُ: وَأَمَّا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ بَيْنَ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ " فَذَلِكَ فِي حَالِ مَجِيئِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى بَيْتِ عَائِشَةَ قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَتَيَا بِهِ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " ثُمَّ أُتِيَ بِهِ " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " إنَّ ذَلِكَ كَانَ بِأَمْرِهِ " وَلَفْظُهَا فَقَالَ " أَجْلِسَانِي إلَى جَنْبِهِ، فَأَجْلَسَاهُ " قَوْلُهُ: (عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْقُرْطُبِيِّ حَيْثُ قَالَ: لَمْ يَقَعْ فِي الصَّحِيحِ بَيَانُ جُلُوسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ كَانَ عَنْ يَمِينِ أَبِي بَكْرٍ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ قَوْلُهُ: (يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَفِيهِ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إمَامًا وَأَبُو بَكْرٍ مُؤْتَمًّا بِهِ ".
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا شَدِيدًا كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ الْمُقَدَّمَ بَيْنُ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: " مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الْمُقَدَّمَ بَيْن يَدَيْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُقَدَّمَ ".
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ عَنْهَا بِلَفْظِ «كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ» .
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْهَا بِلَفْظِ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ» قَالَ فِي الْفَتْحِ: تَضَافَرَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ عَائِشَةَ بِالْجَزْمِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ هُوَ الْإِمَامَ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ: فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ سَلَكَ التَّرْجِيحَ فَقَدَّمَ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مَأْمُومًا لِلْجَزْمِ بِهَا فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَهُوَ أَحْفَظُ فِي حَدِيثِ الْأَعْمَشِ مِنْ غَيْرِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ ذَلِكَ