من حفظه فِي أقوى أَحْوَاله ثمَّ إِذْ كَانَ هُوَ المنشيء للْعَالم كَيفَ صَار أَكثر الْعَالم شرا فَهُوَ إِذن فعل الشَّرّ ليتخلص بِهِ من وثاق الشَّرّ فَكَأَنَّهُ أعَان الشَّرّ والظلمة إِذْ هُوَ عمل ذَلِك ثمَّ قد زَاد من أَجْزَائِهِ فِي أَجزَاء النُّور بإحداث الْعَالم فِي أَجزَاء الْعَالم فازداد لَهُ حبسا وهلاكا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَاخْتلفت الثنوية فِي الإمتزاج فَمنهمْ من يَجعله للظلمة لكِنهمْ اخْتلفُوا فَمنهمْ من يُحَقّق لَهُ الْفِعْل وَمِنْهُم من يَأْبَى ذَلِك وَيَرَاهُ كالمنتشر بالطبع وَهِي كثيفة ستارة والنور رَقِيق دراك فَيَقَع فِيهَا فَوَقع الإمتزاج بذلك وَمِنْهُم من يَجْعَل ذَلِك للنور
لكنه كُله هذيان مَا يدريهم ذَلِك وَالْأَصْل فِيهِ أَن الظلمَة والنور فِي احْتِمَال التَّغَيُّر والإستحالة وإحتمال التجزئة والتبعيض وَالْحسن والقبح وَالطّيب والخبيث وكل شَيْء سَوَاء فَإِن كَانَا يرجعان إِلَى أَجزَاء الْعَالم فهما يحدثان بحدثه ويفنيان بفنائه ثمَّ لَا يجوز أَن يكون لوَاحِد مِنْهُمَا ألوهيته لظُهُور الْعَجز وَالْجهل بهما والعالم هُوَ دَلِيل قوى عليم حَكِيم فهما فِي تِلْكَ الْجُمْلَة
وَبعد إِذْ لم يكن وَاحِد مِنْهُمَا قدر أَن ينشيء فعلا يدل عَلَيْهِ ثَبت أَنَّهُمَا مفعولان لَا فاعلان وَمِمَّا يبين أَنَّهُمَا فعل لوَاحِد مَا لَيْسَ فِي الْعَالم شَيْء بجوهره خير حَتَّى لَا يكون مِنْهُ شَرّ فِي وَجه أبدا وَلَا شَرّ لَا يكون مِنْهُ خير فِي وَجه أبدا ثَبت أَن إِنْكَار مثله عَن الْوَاحِد غير مُمكن
ثمَّ الأَصْل أَن الإمتزاج لَا يَخْلُو من أَن يكون شرا أَو خيرا فَإِن كَانَ خيرا لَا يَخْلُو من أَن يكون من الظلمَة فَيكون مِنْهَا الْخَيْر وَبَطل قَوْلهم بالإثنين من حَيْثُ لَا يكون من الشَّرّ خير وَلَا من الْخَيْر شَرّ وَإِن كَانَ شرا فقد شَاركهُ الْخَيْر فِي الْقبُول فَصَارَ شرا وَإِن كَانَ ذَلِك من النُّور فالوجهان قائمان فِيهِ
مَعَ مَا إِذْ كَانَا غير ممتزجين فامتزجا لَا يَخْلُو امتزاجهما من أَن يكون بأنفسهما فيكونان ممتزجين بالجوهر متباينين بِهِ وَذَلِكَ متناقض وَلَو جَازَ ذَلِك لجَاز أَن