مَا فِي علمه قِيَامه وَكَونه فَكَذَلِك فِي أَمر الْعَالم وَهُوَ يُوضح مَا أَخْبَرتك أَن مَذْهَبهم ينْتج مَذْهَب أهل الدَّهْر والزنادقة لَا مَذْهَب أهل الْإِسْلَام وَالله الْمُوفق
وَمذهب الزَّنَادِقَة أَن الْعَالم كَانَ فعل اثْنَيْنِ لَيْسَ لأَحَدهمَا فِي فعل آخر صنع وَلَا تَدْبِير وَلَا قدرَة وَأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا ينْفَرد بِنَوْع من الْفِعْل من الشَّرّ وَالْخَيْر لَا يقدر عَلَيْهِ الآخر وَكَذَلِكَ مَذْهَب الْمَجُوس
وعَلى مَذْهَب الإعتزال أَن العَبْد لَهُ قدرَة على نوع من الْفِعْل وَهُوَ الْكسْب وللمعبود نوع وَهُوَ الإيجاد وَلَيْسَ لله على مَا للْعَبد قدره وَلَا صنع وَلَا للْعَبد على مَا لله وعَلى هذَيْن الْأَمريْنِ دَار تَدْبِير الْعَالم فضهوا بِهِ من ذكرت فِي التَّحْصِيل
ثمَّ ازْدَادَ مَذْهَب هَؤُلَاءِ قبحا من حَيْثُ جعلُوا مِنْهُ قدرَة على مَا للْعَبد من السّكُون وَالْحَرَكَة فَلَمَّا أقدر الله العَبْد عَلَيْهِمَا ذهبت عَنهُ الْقُدْرَة وَلَا نرى الثنوية تزيل قدرَة وَاحِد مِنْهُمَا بالتمكين من الآخر ليعلم معنى الْقُدْرَة فِي الَّذِي أضيف إِلَيْهِ الربوبية عِنْد الثنوية أَحَق أَن يكون بِنَفسِهِ مِنْهُ عِنْد الْمُعْتَزلَة وَفِي ذَلِك إِزَالَة الْقُدْرَة لله أَن يكون بِذَاتِهِ وَهُوَ أقبح قَول
وَالثَّانِي كذبهمْ إِذْ ثبتوا للْعَبد فِي نوع فعله جَمِيع مَا ثبتوا للصانع وَلم يثبتوا لَهُ اسْم الألوهية الَّذِي عرف الله بِهِ من فعل الْإِنْشَاء وَكَذَلِكَ اسْم الْخَالِق
مَعَ مَا كَانَت الْمُعْتَزلَة يزِيدُونَ فِي رُتْبَة قدرَة العَبْد الْقَادِر على قدرَة الله لأَنهم يَقُولُونَ إِن الله لَا يقدر بالموعود أَن يكون وَبِمَا كَانَ الْوَفَاء فعله مَعَ الْوَصْف بِالْقُدْرَةِ وَذَلِكَ نَحْو مَا ضرب لعبيده مدَدا وَلَهُم أرزاقا قدرهَا لَهُم ثمَّ يجِئ عبد فيقتله قبل اسْتِيفَائه مدَّته وإنجازه وعده على بَقَاء قدرته وَالله تَعَالَى لَا يقدر على منع العَبْد مِمَّا هُوَ فعله يُرِيد الْوَفَاء بِهِ على غير منع الْقُدْرَة عَنهُ فَصَارَت قدرَة العَبْد أعظم ومشيئة أنفذ جلّ رَبنَا وَتَعَالَى عَن هَذَا الْوَصْف
والثنوية تزْعم أَن النُّور وَقع فِي حبس الظلمَة ووثاقها من الْوَجْه الَّذِي هم بِهِ الصّلاح وَدفع شَرها عَن جوهره وَكَذَلِكَ الظلمَة على قَول من يَجْعَل ابْتِدَاء