إلى ما عنده، وهذا مجاز. وليس في العالم أحد غنيًا في الحقيقة لأن بكل من فيه حاجة إلى غيره - كان ذا يسار أو معدمًا كبيرًا كان أو صغيرًا - لا بد له من الحاجة إلى غيره في معونة أو تصرف أو غير ذلك من أمور الدنيا التي بعضها منوط ببعض.
وجمع من في العالم محتاج بعضهم إلى بعض إلا القليل ممن صرفوا فكرهم عن أمر الدنيا دفعة وانصرفوا إلى الباري جل اسمه وعلا. إن أولئك لا يكادون يستغنون عما يؤاريهم من الملبس ويكفهم من الحر والبرد ويغذيهم من المطعم والمشرب. فأمر الدنيا كذلكم بعضه مقرون ببعض.
فليس الغني على الحقيقة غير الله، لأنه الغني في الحقيقة عن جميع الأشياء وكلنا إليه مفتقر محتاج.
وقد يقول القائل من الناس أنا غني عن فلان، وفلان موسر مكثر، وهو معدم فقير، وإنما صار غنيًا عنه، لصرفه الطمع عما لديه، فتساويا فيما بعد ذلك، بل لعل ذلك الموسر المكثر، إذا ارتفع طمع الفقير فيما لديه، يحتاج إلى ذلك الفقير في أمر من أمور الدنيا، مما يستعين به فيه، فيكون محتاجًا إليه وهو عنه غني، ولذلك قيل: «الغني غني النفس»، وينشد هذان البيتان ويقال إنهما لعثمان بن عفان رضي الله عنه:
غني النفس يغني النفس حتى يكفها ... وإن أعسرت حتى يضر بها الفقر
وما عسرة فاصبر لها إن لقيتها ... بكائنة إلا سيتبعها يسر
ومنه قول الخليل بن أحمد أنشدناه ابن الأنباري عن شيوخه:
أبلغ سليمان أني عنه في سعة ... وفي غنى غير أني لست ذا مال
سخى بنفسي أني لا أرى أحدًا ... يموت هزلاً ولا يبقى على حال