أي: يؤمن عباده المؤمنين من بأسه وعذابه فيأمنون ذلك كما تقول: «آمن فلان فلانًا» أي: أعطاه أمانًا ليسكن إليه ويأمن. فكذلك أيضًا يقال: «الله المؤمن» أي: يؤمن عباده المؤمنين فلا يأمن إلا من آمنه. ومنه قول النابغة الذبياني:
فلا لعمر الذي قد زرته حججًا ... وما هريق على الأنصاب من جسد
والمؤمن العائذات الطير تمسحها ... ركبان مكة بين الغيل والسند
قال العلماء في قوله: «والمؤمن» يريد الله تبارك وتعالى أقسم به يريد: آمن الطير في الحرم، والعائذات: التي تعوذ بالبيت، فمن روى هكذا ينصب الطير - وهو الوجه - جعل العائذات في موضع نصب، وإبدال الطير منها للبيان والإيضاح كما تقول: «هذا الضارب الرجل آخاك».
ورواه بعضهم: «والمؤمن العائذات الطير» بالخفض على أن تجعل العائذات في موضع خفض وتبدل الطير منها على إجازتهم «هذا الضارب الرجل» بالخفض تشبيهًا بقولهم: «هذا الحسن الوجه».
قال سيبويه: لما قالوا: «هذا الحسن الوجه» فنصبوه تشبيهًا بـ «هذا الضارب الرجل» وإن لم يكن مثله في المعنى كذلك أجازوا «هذا الضارب الرجل» بالخفض تشبيهًا بـ «هذا الحسن الوجه» لأن كل شيئين تضارعا في العربية فحمل أحدهما على الآخر جاز حمل الآخر عليه في بعض المواضع. ورواه أبو عبيدة:
لا والذي آمن الغزلان تمسحها ... ركبان مكة بين الغيل والسعد
وهذا تقوية للمذهب الأول وشرح للمؤمن، أن تأويله: الذي آمن الطير في الحرم. قال: والغيل والسعد: أجمتان كانتا مناقع ما بين مكة ومنى، يقال لأحدهما