أَخْبَرَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَوْفٌ , عَنْ مَيْمُونٍ , عَنْ وَرْدَانَ ، قَالَ : كُنْتُ فِي الْعِصَابَةِ الَّذِينَ انْتَدَبُوا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، قَالَ : وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَدْ مَنَعَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ حَتَّى يُبَايِعَهُ , فَأَبَى أَنْ يُبَايِعَهُ ، قَالَ : فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِ ، فَأَرَادَ أَهْلَ الشَّامِ , فَمَنَعَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ أَنْ يَدْخُلَهَا حَتَّى يُبَايِعَهُ ، فَأَبَى عَلَيْهِ ، قَالَ : فَسِرْنَا مَعَهُ مَا سِرْنَا ، وَلَوْ أَمَرَنَا بِالْقِتَالِ لَقَاتَلْنَا مَعَهُ , فَجَمَعْنَا يَوْمًا , فَقَسَمَ فِينَا شَيْئًا وَهُوَ يَسِيرُ , ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ , وَأَثْنَى عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ : أَلْحِقُوا بِرِحَالِكُمْ ، وَاتَّقُوا اللَّهَ ، عَلَيْكُمْ بِمَا تَعْرِفُونَ , وَدَعُوا مَا تُنْكِرُونَ ، وَعَلَيْكُمْ بِخَاصَّةِ أَنْفُسِكُمْ , وَدَعُوا أَمْرَ الْعَامَّةِ , وَاسْتَقِرُّوا عَنْ أَمْرَنَا كَمَا اسْتَقَرَّتِ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ ، فَإِنَّ أَمْرَنَا إِذَا جَاءَ كَانَ كَالشَّمْسِ الضَّاحِيَةِ . قَالَ : وَقُتِلَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ فِي سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ , فَلَمَّا دَخَلْتُ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ ، أَرْسَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ ، إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ لَكَ : إِنِّي غَيْرُ تَارِكُكَ أَبَدًا حَتَّى تُبَايِعَنِي ، أَوْ أُعِيدَكَ فِي الْحَبْسِ , وَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ الْكَذَّابَ الَّذِي كُنْتَ تَدَّعِي نُصْرَتَهُ , وَأَجْمَعَ عَلَيَّ أَهْلُ الْعِرَاقَيْنِ , فَبَايِعْ لِي , وَإِلا فَهِيَ الْحَرْبُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ إِنِ امْتَنَعْتَ , فَقَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ لِعُرْوَةَ : مَا أَسْرَعَ أَخَاكَ إِلَى قَطْعِ الرَّحِمِ ، وَالاسْتِخْفَافِ بِالْحَقِّ , عَنْ تَعْجِيلِ عُقُوبَةِ اللَّهِ ، مَا يَشُكُّ أَخُوكَ فِي الْخُلُودِ ، وَإِلا فَقَدْ كَانَ أَحْمَدَ لِلْمُخْتَارِ وَلِهَدْيِهِ مِنِّي , وَاللَّهِ مَا بَعَثْتُ الْمُخْتَارَ دَاعِيًا وَلا نَاصِرًا , وَلَلْمُخْتَارُ كَانَ إِلَيْهِ أَشَدَّ انْقِطَاعًا مِنْهُ إِلَيْنَا , فَإِنْ كَانَ كَذَّابًا فَطَالَ مَا قَرَّبَهُ عَلَى كَذِبِهِ , وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، فَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ , وَمَا عِنْدِي خِلافٌ , وَلَوْ كَانَ خِلافَ مَا أَقَمْتُ فِي جِوَارِهِ , وَلَخَرَجْتُ إِلَى مَنْ يَدْعُونِي , فَأَبَيْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ , وَلَكِنْ هَاهُنَا وَاللَّهِ لأَخِيكَ قَرِينًا يَطْلُبُ مِثْلَ مَا يَطْلُبُ أَخُوكَ ، كِلاهُمَا يُقَاتِلانِ عَلَى الدُّنْيَا ، عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ , وَاللَّهِ لَكَأَنَّكَ بِجُيُوشِهِ قَدْ أَحَاطَتْ بِرَقَبَةِ أَخِيكَ , وَإِنِّي لأَحْسَبُ أَنَّ جِوَارَ عَبْدِ الْمَلِكِ خَيْرٌ لِي مِنْ جِوَارِ أَخِيكَ , وَلَقَدْ كَتَبَ إِلَيَّ يَعْرِضُ عَلَيَّ مَا قَبِلَهُ , وَيَدْعُونِي إِلَيْهِ . قَالَ عُرْوَةُ : فَمَا يَمْنَعُكَ مِنْ ذَلِكَ ؟ قَالَ : وَذَلِكَ أَحَبُّ إِلَى صَاحِبِكَ ، أَسْتَخِيرُ اللَّهَ قَالَ : أَذْكُرُ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ : وَاللَّهِ لَوْ أَطَعْتَنَا ، لَضَرَبْنَا عُنُقَهُ , فَقَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ : وَعَلامَ أَضْرِبُ عُنُقَهُ ، جَاءَنَا بِرِسَالَةٍ مِنْ أَخِيهِ , وَجَاوَرَنَا ، فَجَرَى بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ كَلامٌ , فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أَخِيهِ , وَالَّذِي قُلْتُمْ غَدْرٌ وَلَيْسَ فِي الْغَدْرِ خَيْرٌ , لَوْ فَعَلْتُ الَّذِي تَقُولُونَ ، لَكَانَ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَأْيِي لَوِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيَّ كُلُّهُمْ إِلا إِنْسَانٌ وَاحِدٌ لَمَا قَاتَلْتُهُ , فَانْصَرَفَ عُرْوَةُ ، فَأَخْبَرَ ابْنَ الزُّبَيْرِ بِمَا قَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ ، قَالَ : وَاللَّهِ , مَا أَرَى أَنْ تُعْرِضَ لَهُ ، دَعْهُ , فَلْيَخْرُجْ عَنْكَ وَيُغَيِّبُ وَجْهَهُ , فَعَبْدُ الْمَلِكِ أَمَامَهُ لا يَتْرُكُهُ يَحِلُّ بِالشَّامِ حَتَّى يُبَايِعَهُ ، وَابْنُ الْحَنَفِيَّةِ لا يُبَايِعُهُ أَبَدًا حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْهِ , فَإِنْ صَارَ إِلَيْهِ كَفَاكَهُ إِمَّا حَبَسَهُ , وَإِمَّا قَتَلَهُ , فَتَكُونَ أَنْتَ قَدْ بَرِئَتْ مِنْ ذَلِكَ . فَأَفْثَأَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَنْهُ . فَقَالَ أَبُو الطُّفَيْلٍ : وَجَاءَ كِتَابٌ مِنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَرَسُولٌ حَتَّى دَخَلَ الشِّعْبَ , فَقَرَأَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ الْكِتَابَ , فَقَرَأَ كِتَابًا ، لَوْ كَتَبَ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى بَعْضِ إِخْوَتِهِ ، أَوْ وَلَدِهِ مَا زَادَ عَلَى أَلْطَافِهِ , وَكَانَ فِيهِ ، إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ ضَيِّقَ عَلَيْكَ , وَقَطَعَ رَحِمَكَ , وَاسْتَخَفَّ بِحَقِّكَ حَتَّى تُبَايِعَهُ ، فَقَدْ نَظَرْتَ لِنَفْسِكَ ، وَدِينِكَ ، وَأَنْتَ أَعْرَفُ بِهِ حَيْثُ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ , وَهَذَا الشَّامُ , فَانْزِلْ مِنْهُ حَيْثُ شِئْتَ , فَنَحْنُ مُكْرِمُوكَ ، وَوَاصِلُوا رَحِمَكَ , وَعَارِفُوا حَقَّكَ , فَقَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ لأَصْحَابِهِ : هَذَا وَجْهٌ نَخْرُجُ إِلَيْهِ . قَالَ : فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ وَمَعَهُ كُثَيِّرُ عَزَّةَ يَنْشُدُ شَعَرًا : أَنْتَ إِمَامُ الْحَقِّ لَسْنَا نَمْتَرِي أَنْتَ الَّذِي نَرْضَى بِهِ وَنَرْتَجِي أَنْتَ ابْنُ خَيْرِ النَّاسِ مِنْ بَعْدِ النَّبِي يَا ابْنَ عَلِيٍّ سِرْ وَمَنْ مِثْلُ عَلِي حَتَّى تَحِلَّ أَرْضَ كَلْبٍ وَبَلِي قَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ : فَسِرْنَا حَتَّى نَزَلْنَا أَيْلَةَ , فَجَاوَرُونَا بِأَحْسَنِ جِوَارٍ , وَجَاوَرْنَاهُمْ بِأَحْسَنِ ذَلِكَ , وَأَحَبُّوا أَبَا الْقَاسِمِ حُبًّا شَدِيدًا , وَعَظَّمُوهُ وَأَصْحَابَهُ , وَأُمِرْنَا بِالْمَعْرُوفِ , وَنُهِينَا عَنِ الْمُنْكَرِ , وَلا يُظْلَمُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ قُرْبَنَا وَلا بِحَضْرَتِنَا , فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الْمَلِكِ , فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ , وَذَكَرَهُ لِقَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ ، وَرَوْحِ بْنِ زِنْبَاعٍ , وَكَانَا خَاصَّتَهُ , فَقَالا : مَا أَنْ نَدَعَهُ يُقِيمُ فِي قُرْبَةٍ مِنْكَ ، وَسِيرَتُهُ سِيرَتُهُ حَتَّى يُبَايِعَ لَكَ أَوْ تَصْرِفَهُ إِلَى الْحِجَازِ , فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ : إِنَّكَ قَدِمْتَ بِلادِي , فَنَزَلْتَ فِي طَرَفٍ مِنْهَا وَهَذِهِ الْحَرْبُ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ كَمَا تَعْلَمُ , وَأَنْتَ لَكَ ذِكْرٌ وَمَكَانٌ , وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ لا تُقِيمَ فِي سُلْطَانِي إِلا أَنْ تَبَايَعَ لِي ، فَإِنْ بَايَعْتَنِي ، فَخُذِ السُّفُنَ الَّتِي قَدِمَتْ عَلَيْنَا مِنَ الْقُلْزُمِ وَهِيَ مِائَةُ مَرْكَبٍ ، فَهِيَ لَكَ وَمَا فِيهَا , وَلَكَ أَلْفَا أَلْفِ دِرْهَمٍ أُعَجِّلُ لَكَ مِنْهَا خَمْسَمِائَةِ أَلْفٍ , وَأَلْفَ أَلْفٍ , وَخَمْسَمِائَةِ أَلْفٍ آتَيْتُكَ مَعَ مَا أَرَدْتَ مِنْ فَرِيضَةٍ لَكَ وَلِوَلَدِكَ , وَلِقَرَابَتِكَ , وَمَوَالِيكَ , وَمَنْ مَعَكَ وَإِنْ أَبَيْتَ ، فَتَحَوَّلْ عَنْ بَلَدِي إِلَى مَوْضِعٍ لا يَكُونُ لِي فِيهِ سُلْطَانٌ ، قَالَ : فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ، سَلامٌ عَلَيْكَ , فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ , أَمَّا بَعْدُ , فَقَدْ عَرَفْتَ رَأْيِي فِي هَذَا الأَمْرِ قَدِيمًا , وَإِنِّي لَسْتُ أُسَفِّهُهُ عَلَى أَحَدٍ , وَاللَّهِ لَوِ اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَيَّ إِلا أَهْلُ الزَّرْقَاءِ مَا قَاتَلْتُهُمْ أَبَدًا ، وَلا اعْتَزَلْتُهُمْ حَتَّى يَجْتَمِعُوا نَزَلْتُ مَكَّةَ فِرَارًا مِمَّا كَانَ بِالْمَدِينَةِ , فَجَاوَرْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ , فَأَسَاءَ جَوَارِي , وَأَرَادَ مِنِّي أَنْ أُبَايِعَهُ فَأَبَيْتُ ذَلِكَ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْكَ أَوْ عَلَيْهِ , ثُمَّ أَدْخُلَ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ , فَأَكُونُ كَرَجُلٍ مِنْهُمْ , ثُمَّ كَتَبْتَ إِلَيَّ تَدْعُونِي إِلَى مَا قِبَلِكَ , فَأَقْبَلْتُ سَائِرًا , فَنَزَلْتُ فِي طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِكَ , وَاللَّهِ مَا عِنْدِي خِلافٌ وَمَعِي أَصْحَابِي , فَقُلْنَا بِلادٌ رَخِيصَةُ الأَسْعَارِ ، وَنَدْنُوا مِنْ جِوَارِكَ وَنَتَعَرَّضُ صِلَتَكَ , فَكَتَبْتَ بِمَا كَتَبْتَ بِهِ ، وَنَحْنُ مُنْصَرِفُونَ عَنْكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .