والمعنى: (أن نَقْلَ الغازي بنِ قيس الأندلسي في كتابه "هجاء السنة" أن {هَيِّاءْ لَنَا} الكهف: ١٠ و {وَيُهَيِّئْ لَكُمْ} الكهف: ١٦ {وَمَكْرَ السَّيِّئِ} فاطر: ٤٣ و {الْمَكْرُ السَّيِّئُ} فاطر: ٤٣ كلها رسمت في المصاحف بياء واحدة بعدها ألف) (١)؛ قال أبو عمرو: (وذلك خلاف الإجماع) (٢)، قال الجعبري: (ولا يصح دعوى الإجماع مع مخالفة من يعتبر كلامه فيقدم قوله على النافي لأنه مثبت) (٣) انتهى.

ولا يخفى أن مراد أبي عمرو أن هذا القائل مخالف للإجماع السابق عليه فلا يلتفت إليه (٤)، على أنه قد يقال: أبو عمرو أيضًا مثبت والغازي نافٍ (٥)؛ لأن أبا عمرو قال: رسمت بياءين والغازي ينفي إحداهما، والأظهر أن يحمل قوله على أنه وُجِدَ في المصاحفِ غيرِ الأئمةِ؛ لئلا يتناقض كلام الرسَمَةِ (٦) لأن الأمة لا تجتمع على الضلالة.

ثم قوله: "مع السَّيِّئ" أي: الكائنان معه، وقوله: "بها" أي: في هذه

(١) ما بين القوسين منقول من الجميلة صـ ٢٥٦، وهو بالمعنى في الوسيلة صـ ٣٤٦.
(٢) المقنع صـ ٥١.
(٣) انظر الجميلة صـ ٢٥٧ وأيد كلامه بأمرين: ١ - موافقة السخاوي للغازي بن قيس حيث قال في الوسيلة صـ ٣٤٦: (قلت: قول أبي عمرو هذا لم يقله عن يقين، ولكنه صدر عن غلبة ظن وعدم اطلاع، وقد رأيت هذه المواضع في المصحف الشامي كما ذكر الغازي … كل ذلك بألف بعد الياء جعلها صورة الهمزة)، ٢ - قال الجعبري في الجميلة: (وقال الشارح: رأيتها في المصحف الشامي بالألف فيقدمان -أي: السخاوي والغازي- على النافي لأنهما مثبِتان؛ إن كان مستندُ المنع الكشفَ، وإن كان مجردَ خروجها عن القياس فليست ببِدْعِ فيه، ولا يصح دعوى الإجماع مع مخالفة من يعتبر قوله فيه).
(٤) لا يوجد إجماعٌ على أنها لم تكتب بألف بعد الياء حتى يُرمَى من روى ذلك بمخالفته، قصارى الأمر أنه لم يَروِ ذلك أحد قبلهما، وهذا وحده لا يكفي لردِّ روايتهما كيف و (قول أبي عمرو هذا لم يقله عن يقين ولكنه صدر عن غلبة ظن وعدم اطلاع) كما قال السخاوي.
(٥) خير منه أنه يقال: (في بعض المصاحف بألف) كما حكى أبو حاتم فيما ذكره في المقنع صـ ٥١، وبه يرتفع التناقض بين الروايات.
(٦) هذا صحيح؛ بل متعين لو وجد إجماع قوليٌّ على أنها لم تكتب في شيء من المصاحف بألف.