ولكن هذا الإقرار لا يعطي الإنسان علما وافيا عن الله عزوجل، ولا يمكن بأي حال من الأحوال الوصول إلى معرفة الله على التفصيل إلا منه جل وعلا وذلك بطريق الوحي.
لهذا تخبط المعتزلة في كلامهم عن الله عزوجل وضلوا فيه جل وعلا ضلالا بعيدا سواء في صفاته أو في الكلام على أفعاله سبحانه وتعالى.
بعد هذا قعد المعتزلة أصل (العدل) وهو الأصل الثاني من أصولهم وينسبون أنفسهم إليه بقولهم: (أهل العدل) وقد نمقوا بيانهم للمراد بالعدل بألفاظ ظاهرها التنزيه والتعظيم لله عزوجل، وباطنها تعجيز الله والحد من قدرته وسيادته والرد لشرعه ودينه.
فقال عبد الجبار المعتزلي في تعريفه للعدل: هو توقير حق الغير واستيفاء الحق منه، ثم قال في تطبيق هذا التعريف على عدل الله "وأما علوم العدل فهو أن يعلم أن أفعال الله تعالى كلها حسنة وأنه لا يفعل القبيح ولا يخل بما هو واجب عليه وأنه لا يكذب في خبره ولا يجور في حكمه" (١).
فهذه العبارات من سمعها ظن أن المراد بها حق، فإن قولهم: إن أفعال الله تعالى كلها حسنة وأنه لا يفعل القبيح ولا يخل بما هو واجب عليه، يدخل تحتها أمور عديدة:
أولها: أن الحسن والقبح إنما يعرف بالعقل وما حسن في العقل من الإنسان حسن من الله عزوجل وما قبح في العقل من الإنسان قبح من الله عزوجل، فهذا فيه تشبيه وتحكم في أفعال الله عزوجل بميزان النظر البشري.
ثانيها: أن ما حسن يجب على الله أن يفعله، وما قبح لا يجوز له فعله، فهذان الأصلان جعلهما المعتزلة في كلامهم ميزان العدل الإلهي، فكل فعل أردوا إثباته أو نفيه عرضوه على هذا الميزان، فإن كان موافقا لهذا الميزان
(١) شرح الأصول الخمسة ص ١٣٢ - ١٣٣.