طاعة الأنبياء عليهم، وصاروا غير مكلفين بأمر الأنبياء ونهيهم.
ويذكرون حكايات يظنونها صدقًا، منها أن أهل الصفة قاتلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الكفار لما انهزم (١) بعض أصحابه يوم أحد وحنين، فقال لهم: يا أصحابي أين تذهبون وتدعوني؟ فقالوا: نحن مع الله، من كان الله معه كنا معه.
ومرادهم أن كل من معه القدر كانوا معه؛ وإن كان كافرًا أو فاسقًا؛ من غير نظر في العاقبة ولا في وعد الله ووعيده.
ويذكرون ما هو أعظم كفرًا من هذه الحكاية، وهو أن الله -تعالى- أطلع رسوله على سر (٢) ليلة المعراج وأمره أن لا يخبر به أحدًا، وأنه رأى أهل الصفة يتكلمون به، فقال لهم: من أين لكم هذا؟ فقالوا: أخبرنا الله به، فقال: يا رب ألم تأمرني أن أكتم هذا السر؟ فقال: أنا أمرتك أن تكتمه، وأنا أخبرهم به.
وقد ذكر لي هذه الأمور غير واحد من كبار شيوخ هؤلاء عن غير واحد من شيوخهم (٣)؛ فبيّنت لهم كذب هذا، حتى قلت لبعضهم: الصفة إنما كانت بالمدينة، والمعراج كان بمكة فلم يكن ليلة المعراج أحد يُذكر أنه من أهل الصفة (٤).
وأعظم من هذا كفرًا ما يذكره بعضهم أن الله أمر نبيه بزيارة أهل الصفة، وأنه ذهب ليزورهم فلم يفتحوا له الباب، وقالو له: اذهب إلى من أرسلت إليه فإنه لاحاجة لنا بك، وأنه عاد إلى ربه فأمره أن يذهب إليهم ويتأدب معهم؛ ويقول: خادمكم محمد جاء ليزوركم (٥)، ونحو هذه الكفريات التي لا يقولها إلا من هو أبعد الناس عن الإيمان بالله ورسوله.
(١) كذا في (ف) و (د) و (ح)، وفي الأصل (نهزم) بدون همزة.
(٢) في هامش (د) سر الأسرار.
(٣) في هامش (د) شيوخهم الكبار.
(٤) في هامش (د) في نسخة: "فلم يكن ليلة المعراج أحد يعرف الصُّفَّة ولا أهلها، والصُّفَّة إنما كانت بمسجد المدينة، والمسجد إنما بني بعد الهجرة، والهجرة كانت بعد المعرج بمدة".
(٥) في هامش الأصل (سبحان الله ما أعظم هذه الفرية، ومن أكفر ممن اعتقد هذا، أعوذ بالله من زيغ القلوب ورين الذنوب)، وفي هامش (د) في نسخة: (وكل هذا كفر من قائله ومعتقده فإن هذه) كذا.