بل لعن الذين يتخذون القبور مساجد، وقال أيضاً في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره: "لا تتخذوا قبري عيداً وصلّوا عليّ حيث كنتم فإن صلاتكم تبلغني"، فنهى أن يتخذ قبره عيداً؛ وهذا معنى المشاعر فإن المشاعر تتخذ أعياداً (١)، أي يجتمع الناس عندها في أوقات معتادة، والعيد اسم للوقت والمكان الذي يعتاد الاجتماع فيه، وقد يعبر به عن نفس الاجتماع المعتاد (٢)، ولهذا سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة عيداً وقال: "إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيداً" (٣).

وقد ثبت عن عمر بن الخطاب أنه رأى قوماً ينتابون مكاناً يصلّون فيه، قال: ما هذا، قالوا: مكاناً صلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد، إنما هلك من كان قبلكم بهذا من أدركته فيه الصلاة فليصل وإلا فليمض" (٤)، فقد نهاهم عن اتخاذ آثار الأنبياء مساجد.

وهذا لا ينافي قول عتبان بن مالك للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن السيول تحول بيني وبين قومي، فلو صليت في بيتي في مكان أتخذه مصلى، "فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى ركعتين" (٥)، لأن عتبان كان مقصوده بناء مسجد لحاجته إليه وتبرك

(١) من هنا يبدأ فراغ في السطر في (ف) لم يكتب فيه بمقدار ثلاث كلمات، وليس في الكلام سقط.
(٢) انظر: لسان العرب ٣/ ٣١٩، والقاموس المحيط ص ٣٨٦ مادة عود.
(٣) أخرجه ابن ماجه في (أبواب إقامة الصلاة، باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة)؛ ١/ ١٩٧ رقم ١٠٨٥، والطبراني في المعجم الصغير ١/ ١٤٩ رقم ٣٥٠ طبعة كمال الحوت، وعبد الرزاق في المصنف مرسلاً ٣/ ١٩٧ رقم ٥٣٠١، وابن أبي شيبة في مصنفه ١/ ٤٣٥ رقم ٥٠١٦، قال الدوسري في النهج السديد ص ٧٥ رقم ١٣٥: الحديث بهذه الطرق حسن لغيره. أ. هـ.
(٤) أخرج الأثر ابن أبي شيبة في مصنفه ٢/ ١٥١ رقم ٧٥٥٠، وسعيد بن منصور في سننه كما نقل المؤلف عنه في اقتضاء الصراط ٢/ ٧٥١ - ٧٥٢، وعبد الرزاق في مصنفه ٢/ ١١٨ - ١١٩ رقم ٢٧٣٤، وابن وضاح في البدع والنهي عنها ص ٤١ - ٤٢ (الطبعة الثانية ١٤٠٢ هـ، الناشر دار الرائد العربي بيروت - لبنان) وصحح إسنادها المؤلف في قاعدة جليلة ص ٢٠٣، وابن كثير في مسند الفاروق تحقيق د. عبد المعطي قلعجي ص ١٤٢ - ١٤٣ (الطبعة الأولى ١٤١١ هـ, الناشر دار الوفاء المنصورة - مصر)، وقال العلامة الألباني في تحذير الساجد ص ٩٣ صحيح على شرط الشيخين. أ. هـ وصححه غيرهم.
(٥) أخرجه البخاري في (كتاب الصلاة، باب المساجد في البيوت) ١/ ١٥١ رقم =