وأقوال البكري في هذه المسألة تبنى على ما سبق ذكره في آثاره العلمية، فهو ليس من الراسخين في العلم، ولذلك نجده يكيل الكفر والزندقة والسب لشيخ الإسلام ابن تيمية كيلاً لا لسبب شرعي، كما نجده أيضاً يكفر ابن عربي محيي الدين ويلعنه، وابن عربي أهل لذلك، فهل تكفير البكري مبني على أسس شرعية؟ أم حسب الهوى؟ ومن خلال دراسة أقواله يظهر أنه يكفر من خالفه مهما كانت هذه المخالفة صواباً أو خطأ.
٧ - مواقفه مع شيخ الإسلام ابن تيمية
آذى البكري شيخ الإسلام ابن تيمية بالقول والعمل، أما القول فقد رماه بالزندقة، قال: (إن المجيب -أي ابن تيمية- لا يثبت على تأويل، وإنما يذهب إليه عند الخوف زندقة منه على ما علمته)، وأحياناً يصل إلى حد التكفير (١).
واستعدى السلطان في عصره على شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: (لقد خشيت على كثير من أهل الإقليم بسبب تقاعدهم عن نصرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإهلاكة وإهلاك أمثاله خصوصاً أهل الدولة وأصحاب الحكم) (٢).
ولكن جعل الله كيده في نحره وسلط الله السلطان عليه، وسلم الله أهل العلم والإيمان.
وأما بالعمل فقد كان من أشد الصوفية على شيخ الإسلام ابن تيمية، ففي محنته معهم عام ٧٠٧ هـ عندما ادعوا عليه أنه يمنع الاستغاثة بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال بعض الحاضرين: يعزر، قال البكري: "لا معنى لهذا القول، فإنه إن كان تنقيصاً يقتل، وإن لم يكن تنقيصاً لا يعزر " (٣).
وفي رجب، وقيل شعبان سنة ٧١١ هـ تعصب على شيخ الإسلام ابن تيمية جماعة من الغوغاء معهم البكري نور الدين وتفردوا به وضربوه، وقد استفرد البكري بالشيخ ووثب عليه، ونتش أطواقه (٤) وقال: "احضر معي إلى
(١) انظر: ص ٣٨٨ من أصل الكتاب.
(٢) تلخيص الاستغاثة ص ١٤٢.
(٣) الدرر الكامنة ١/ ١٥٥، وفي الأصل يعذر، وبالهامش صوابه يعزر، وقد انفرد بذكر هذا الموقف للبكري ابن حجر في الدرر الكامنة.
(٤) أطواق مفردها الطَّاق، وهو نوع من الملابس وهو الطيلسان، وقيل: الطيلسان =