وقد شهد بهذا أحد القبورية وهو محمد بن موسى النعمان المالكي (ت ٦٨٣ هـ) فقال: "أما بعد فإنه سبق جماعة من العلماء الأعلام إلى جمع أخبار من استغاث بالله -تعالى- فقصدت أن أذكر ما وقع لي ممن استغاث بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولاذ به في شدته" (١).
لهذا فالكتب التي تعرضت لموضوع الاستغاثة ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الكتب المؤلفة في الاستغاثة بالله -تعالى-، وهي ما كانت على الإسلام الصحيح الذي لم يعرف بدعة القبورية.
والقسم الثاني: الانحراف في مسألة الاستغاثة بالمقبورين.
والقسم الثالث: ردود أهل السنة والجماعة على هذا الانحراف وبيان حكم الاستغاثة بغير الله. وإليك هذه الأقسام بشيء من التفصيل.
* القسم الأول: الكتب المؤلفة في الاستغاثة بالله -تعالى-
لم يصنف السلف هذه الكتب ليوضحوا القضية، أو يبينوا حكمها، أو يردوا بدعة القبورية، فهي قضية واضحة لا لبس فيها، أوضحها القرآن الكريم، وأبانها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم تعرف الأمة بعدُ بدعة القبورية حتى تردها، بل لعله لم يتوقع أحد منهم وقوع الاستغاثة بالأموات في هذه الأمة.
فهذه المؤلفات لجمع الأخبار في هذا الباب، وكانت تحكي حال الأمة في اللجوء إلى الله تعالى عند الكرب والشدة، ورجائه ودعائه وحده، لا يلجأون لنبي ولا لملك من الملائكة ولا لرجل من الصالحين.
قال القاضي التنوخي: "فإني لما رأيت أبناء الدنيا متقلبين فيها بين خير وشر، ونفع وضر، ولم أر لهم في أيام الرخاء أنفع من الشكر والثناء، ولا في أيام المحنة والبلاء أنجع من الصبر والدعاء، .... وجدت من أقوى ما يفزع إليه من أناخ الدهر بمكروهه عليه، قراءة الأخبار التي تنبئ عن تفضل الله -عز وجل- على من حصل قبله في محصله، ونزل به مثل بلائه ومعضله، بما أتاحه الله -تعالى- له من صنيع أسهل الأرزاق، ومعونة حل بها من الخناق، ... فإن
(١) مصباح الظلام - مخطوط بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مصور عن شستربتي رقم ٣٦٧٧ ص ١ بترقيمي.