أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن في، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت" (١)، والأحاديث في ذلك كثيرة.
ثم بسط الشيخ الكلام على ذلك.
١١ - استدلال البكري بحديث الكوة
أما ذكره (أي البكري) من أن أهل المدينة شكوا إلى عائشة فأمرتهم أن يعملوا كوة إلى السقف حتى لا يكون بينه وبين السماء حائل، ففعلوا فمطروا حتى نبت العشب وسمنت الإبل وتفتقت شحماً فسمي عام الفتيق، فقد ذكر هذا فيما أظن محمد بن الحسن بن زبالة فيما صنفه في أخبار المدينة (٢).
* رد ابن تيمية
وجوابه من وجهين:
أحدهما: أن هذا محمد بن زبالة ضعيف لا يحتج به، والثابت عن الصحابة باتفاق أهل العلم أنهم كانوا إذا استسقوا دعوا الله؛ إما في المسجد وإما في الصحراء، وهذا الاستسقاء المشروع باتفاق أهل العلم، فإنهم اتفقوا على دعاء الله واستغفاره.
واختلفوا هل يصلى للاستسقاء على قولين: وجمهورهم على أنه يصلى له، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد، وأما أبو حنيفة فلم يعرف الصلاة في الاستسقاء، والجمهور عرفوا ذلك بما ثبت في الصحاح والسنن والمسانيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى في الاستسقاء ركعتين، والصحابة في زمن عمر وغيره صلوا واستشفعوا بالعباس وغيره، ولم يكشفوا عن قبره، ولو كان مشروعاً لما عدلوا عنه.
وهذا العلم العام المتفق عليه لا يعارض بما يرويه ابن زبالة وأمثاله؛ ممن لا يجوز الاحتجاج به، ولو قال عالم يستحب عند الاستسقاء أو غيره أن يكشف عن قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أو غيره من الأنبياء والصالحين لكان مبتدعاً بدعة مخالفة للسنة المشروعة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن خلفائه.
(١) أخرجه الإمام مسلم في (كتاب الجنائز، باب استئذان النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه -عز وجل- في زيارة قبر أمه) ٢/ ٦٧١ رقم ٩٧٦.
(٢) سيأتي تخريجه في ص ٢٦٥.