فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بالصلاة التي صليتها على النبي صلى الله عليه وسلم في أول كتاب "الرسالة".
وقيل: الخبر موقوف على أبي هريرة ورفعه قرة بن عبد الرحمن وهو ضعيف 7 أ/ 1.
فإن قيل: لِمَ قال اختصرت قبل أن يختصر؟ ومن قال فعلت ولم يفعل فهو كاذب.
قلنا: يحتمل أنه صنف الكتاب ثم كتب هذا الفصل وصدره بهذا.
والثاني: أنه قد يرد اللفظ على صيغة الماضي ويراد به المستقبل، كقوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ} الأعراف: 44، وقوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} النحل: 1 وقوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} الكهف: 99 ونحو ذلك، فمعنى قوله: (اختصرت) أي سأختصر.
والثالث: يجوز أن يعبر به عن شروعه فيه كما يكتب الرجل في صدر كتابه كتبت، أي: افتتحت الكتاب، أو لعزمه على ذلك، ويجري ذلك مجرى العلم بوجوده، كقوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} الزمر: 30.
وقوله تعالى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} يوسف:36، ولكونه خبرًا عند وجود ما يختصره بلا خبرًا في حال الكتابة.
فإن قيل: لم تمدح بالاختصار والأحسن بسط الكلام وشرحه، والاختصار مذموم؟
قيل: الاختصار محمود عادة وشرعًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أوتيت جوامع الكلم واختصر العلم اختصارًا" وقد أعجز الله تعالى العرب بقوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} البقرة: 179،
فإن أقل لفظًا وأجمع معنى من قولهم: القتل أنفي للقتل. وقال في صفة الجنة: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ} الزخرف: 71 ويجوز ذلك.
وقال علي بن أبي طالب، والحسن بن علي - رضي الله عنهما -"خير الكلام ما قل ودلّ 7 ب/ 1، ولم يطل فيمل"، ويروى هذا مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفيه نظر.
وأما العادة فهي أن الكلام إذا طال مل الطالبون والسامعون، وإذا قل كثرة الرغبة وتاقت إليه النفوس.
فإن قيل: لم شرط الاختصار ثم الحال في مواضع؟
قلنا: شرط اختصار كلام الشافعي، وإنما الحال كلام نفسه، ثم الحكم للأغلب، والأغلب منه مختصر، ولأن للإطالة موضعًا تحمد فيه، ولذلك لم يكن جميع كتاب الله مختصرًا. وقد قال الخليل بن أحمد: نختصر الكتاب ليحفظ، ونبسطه ليفهم.
وأما معنى الاختصار فهو إيجاز اللفظ من غير إخلال بالمعنى، واشتقاقه من الجمع، ولهذا سمى المخصرة لاجتماع المتكئ عليها والحاضر لاجتماع البدن عليها، فكأنه يجمع معنى الكثير في القليل من اللفظ. وقيل: الاختصار هو ما دل قليلة على كثيرة