لا تمتنع (82 ب/ 1) الحائض ولا النفساء, وحكي هذا القول عن الشافعي رواه أبو ثور, وقال ابن المنذر قال الشافعي في (القديم) هذا, واختلف أصحابنا فيه على وجهين, فمنهم من قال: فيه قولان, ومنهم من قال: قول واحد أنها لا تقرأ كالجنب, زهو قوله الجديد لما روى ابن عمر- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئًا من القرآن " وما ذكره ابن المنذر عن القديم لا نعرفه, وأبو ثور قال: جوز أبو عبد الله للحائض والنفساء قراءة القرآن وأراد به مالك لأن كنيته أبو عبد الله فهذا هو الصحيح لأن الجنابة هي أخف من الحيض, فإن امتنع منه الجنب فالحائض أولى واحتج مالك بأن الحيض والنفساء يمتد ويطول فيؤدي إلى نسيان القراءة بخلاف الحدث, وربما تكون معلمة فيتعطل كسبها بذلك,
قيل: يمكنها أن تتفكر فيه بقلبها ولا تحرك لسانها لئلا تنسى وتنظر في المصحف, ويقلب غيرها أوراقه.
وقال داود: يقرءون ما شاءوا به, قال ابن المنذر: روي أنه سئل سعيد بن المسيب: أيقرأ الجنب؟ فقال: نعم, أليس هو في جوفه, وقال ابن عباس: يقرأ ورده, وهو جنب, وروى نحو قولنا عن عمرو وعلي، والحسن, والنخاعي والزهري, وقتادة- رضي الله عنهم- وقال أبو حنيفة, وأحمد يقرأ دون الآية, وقال مالك (81 أ/ 1) في الجنب: يقرأ آيات يسيرة, وقال الأوزعي: لا يقرأ الجنب إلا آية الركوب والنزول (سبحان الذي سخر لنا هذا) (الزخرف:13) الآية, وقال تعالى: " ربي أنزلني منزلاً مباركًا " (المؤمنون: 29) الآية.
واحتج داود بأن وجوب الطهارة لا تمنع القراءة أصل وجوبها عن الحدث الأصغر. قلنا: حكم الحدث اخف ويتكرر فيشق عليه المنع بخلاف الجنابة, وهذا غلط لما روى عن علي- رضي الله عنه- أنه قال: أن النبي صلي الله عليه وسلم (لم يكن يحجبه عن قراءة القرآن شيء سوى الجنابة). ذكره أبو داود وروى لم يكن بحجزه. وقال علي- رضي الله عنه- أيضًا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن بكل حال, فإذا كانت الجنابة فلا ولا حرف, وقال عمرو بن حزم: كتب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تقرأ القرآن إلا طاهرًا) وأراد طاهرًا من الجنابة.
فرع
هل يجوز قراءة القرآن وفمه نجس, قال والدي- رحمه الله- يحتمل وجهين:
أحدهما: لا يجوز للحرمة كما لا يجوز مس المصحف ويده نجسة.
والثاني: يجوز ويكره كما يجوز قراءته محدثاً.