الصدقة التي قدرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينها, التي أمر الله بها أي: أوجبها الله, فأضاف الإيجاب إلى الله تعالى 6 ب/ 4 والبيان والتقدير إلى نفسه؛ لأن الله تعالى أمر بالزكاة في القرآن مجملا غير مبين ولا مقدر, ثم بينها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم, وهذا أصح. ثم قال (1): فمن سألها على وجهها فليعطها, أي: فمن سئل هذه الصدقة على ما ورد به الشرع فليعطها ولا يمنعها, ومن سئل فوقها, فلا يعطه, أي: من سئل فوق الواجب فلا يعطي ما زاد على الواجب. ومن أصحابنا من قال: معناه فلا يعطه شيئًا أصلاً؛ لأنه صار معتديًا, بطلت الزيادة, وبطلت أمانته كالحاكم, والصحيح الأول لأن الوالي لا ينعزل بالجور على الصحيح من المذهب وإن كان القياس أنه منعزل, ولأن المراد به الإعطاء إلى الساعي, والساعي وكيل أهل السهمان, والوكالة لا تبطل بطلب الزيادة, والهاء في قوله: فلا يعطه, هي كناية عن الفرق في قوله: فمن سئل فوقها, وليس بكناية الساعي الطالب للصدقة, لأنه لم يؤنث, وقال: فلا يعطه, ثم قال (2): فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمس وثلاثين, ففيها بنت مخاض, فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر, تأكيدًا للكلام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أبقت الفرائض فالأولى رجل ذكر" (3)، وقيل: إنما بالذكر لئلا تؤخذ الخنثى, لأنه يقال له: ابن لبون أيضاً, ولا يقال: ذكر 7 أ/ 4 وقيل: ليس في شيء من الحيوانات خنثى إلا في الآدمي والإبل.
ثم قال (4): فإذا بلغت ستًا وثلاثين إلى خمس وأربعين, ففيها بنت لبون أنثى, وإنما قيد بالأنثى للتأكيد, كما يقال رأيت بعيني, وسمعت بأذني, ونحو ذلك, فإذا بلغت ستًا وأربعين إلى ستين, ففيها حقة طروقة الحمل, ويقرأ طروقة الجمل -بالجيم- وقد روي طروقة الفحل, أي: استحقت أن يركب ويحمل عليها, والأول أصح, فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين, ففيها جذعة, فإذا بلغت ستًا وسبعين إلى تسعين, ففيها بنتا لبون. وإنما كان كذلك لأن هذا العدد هو ضعف نصاب بنت لبون واحدة, وليس وراء الجذعة سن يؤخذ فأوجب بنتي لبون.
ثم قال: فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة, ففيها حقتان طروقتا الحمل, وهذا لأن العدد هو ضعف نصاب حقة واحدة ثن قال: فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون, وفي كل خمسين حقة.
واعلم أن نصيب الإبل إلى هاهنا كانت مختلفة, وكانت في الابتداء حين كان الواجب الغنم خمسًا خمسًا, فلما صار الواجب من جنسها في خمس وعشرين بعد ذلك عشرًا عشرًا, ثم ثلاثة أوقاص بعد ذلك خمسة عشر, ثم الوقص بعد ذلك بلبون