وهذا كما قال لا خلاف في الجملة في وجوب الصدقة في الزرع والأصل فيه ما تقدم من الآية والخبر وأيضًا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} البقرة: 267 , ثم اختلفوا في الزرع الذي يجب فيه الزكاة فعندنا لا تجب إلا في الزرع هو قوت. فأما في الفواكه من التفاح والسفرجل وغير ذلك من الخضروات لا عشر فيها, وبه قال الليث بن سعد, وابن أبي ليلى وسيفان 125 ب/ 4 الثوري وأبو يوسف ومحمد وحكي عن أبي يوسف أنه قال يجب العشر في الثمار التي تخرج كل سنة ولا تجب في الخضروات. وروي عنه أيضًا أنه قال: يجب في الحبوب المأكولة والقطن أيضًا. وقال مالك: يجب العشر في الحبوب المأكولة غالبًا من الزرع, وروي عنه يجب فيما يعظم منفعة فليزم في القطن.
وقال أبو حنيفة: يجب في جميع الثمار والخضروات إلا في الحشيش حتى تجب في عشر كراثات كراثة. وقال الحسن وابن سيرين والشعبي والحسن بن صالح لا زكاة إلا في الحنطة والشعير, وزاد أبو ثور والذرة, وقال عطاء بن أبي رباح يجب في كل زرع ينبت من بذره ويؤخذ من زرعه وهذا كله غلط لأن أنفس الزروع القوت والزكاة بأنفس الأجناس كما في الجواهر ثم أعلم أن المزني أوهم أن الشافعي احتج بهذه الآية على أبي حنيفة أن لا زكاة في الخضروات فنقل عن الشافعي أنه قال في هذه الآية دلالة على أنه إنما جعل الزكاة على الزروع وليس كما أوهم بل إنما استدل بهذه الآية على وقت وجوب الصدقة في الزرع الذي يجب فيه الصدقة وذلك أن المراد بالآية: والتزموا زكاة الزرع يوم حصاده أي: يوم يبدو الصلاح فيه ويمكن حصاده كما قلنا في الثمار تجب الزكاة فيها وقت بدو الصلاح.
مسألة: قال (1): فَمَا جَمَعَ أن يَزرعَهُ الآدميُونَ.
الفصل
وهذا كما قال
.... (2) الشافعي: الزرع الذي تجب فيه الصدقة, فقال فما جمع أن يزرعه الآدميون ويبس ويدخر ويقتات مأكولا خبزًا وسويقًا وقيل: طحينًا وليس بشيء ففيه الصدقة وأراد بقوله: "فما جمع", أي: فما حصل من الزروع هذه الأوصاف التي حملتها أن يزرعه الآدميون ويقتات في حال الاختيار بأي وجه كان ففيه الصدقة إذا كان نصابًا ونصابه ما ذكرنا في الثمار خلافًا لأبي حنيفة. فأراد بقوله: "يزرعه الآدميون" أنه من جنس ما تقصد زراعته في الغالب فإنه لو نقل الحنطة من البذر فانتشرت منها في أرضه فنبت ما يبلغ خمسة أوسق وجب العشر فيه, وإن لم يقصد زراعته كما يجب في زرع الغاصب على مالكه ومن أصحابنا من قال يشترط فيه أربع شرائط أن يزرعه الآدميون ويكون مما يبس بعد حصاده ويدخر بعد يبسه ويقتات حال ادخاره وهذا كله داخل فيما تقدم ومعنى القوت ما تقوم به النفس في غالب العادة لبقاء نقله في المعدة