لمن أراد سفرًا: قرب الله عليك الخطا، أي: سهل، ومعناه غرض في هذا الاختصار للتسهيل على ما أراد هذا الكتاب، ويعبر عن التسهيل بالتقريب؛ لأن كل قريب سهل، ولك بعيد صعب.
فإن قيل: قد قال مع إعلامية نهيه عن تقلده وهو كلام يحمل معنيين.
أحدهما: مع إعلامي يريد الكتاب نهي الشافعي عن أن يقلدوا ويقلد غيره، فتكون التاء كناية عن اسم المزني، والهاء الأولى راجع إلى مريد الكتاب، والهاء الثانية راجع إلى الشافعي، ولم يبين المزني مراده، فكيف يدعي التقريب والتسهيل قلنا: إذا احتمل الكلام معنيين صحيحين لا يلزم البيان، بل يجوز تركه بحاله 9 أ/ 1 لتكثير الفائدة، كما في ألفاظ القرآن، وكلا المعنيين صحيح هاهنا، وهو منه بسط لعذره في اعتراضات، اعترض بها على الشافعي في تضاعيف هذا الكتاب، فكأنه يقول: إن كنت اعترضت على الشافعي في
تصانيف هذا الكتاب ورددت عليه شيئًا، فليس ذلك مني خلافًا له، بل هو الذي أمرني به، والمعنى الأول أصح.
فإن قيل: لم قال: لينظر فيه لدينه ويحتاط لنفسه، والأولى والاحتياط في التقليد ليسلم المقلد عن مخاطرة الخطأ والصواب فيه؟ قيل: الأولى والاحتياط في الاجتهاد؛ لأن المجتهد يقدم على الأمر على علم، والمقلد يقدم عليه على جهل، قيل: هذا بيان للعلة في النهي عن التقليد، يعني إنما نهى عن التقليد ليستقصى طالب العلم في تعرف وجوه الأحكام ودلائلها، ثم ينظر فيها لدينه ويحتاط.
وقوله: (وبالله التوفيق): بيان أن الأمور كلها تجري بمشيئة الله تعالى وقضائه وقدره. وقيل: التوفيق ضد الخذلان، وهو تسهيل طريق الخير وسد طريق الشر، يعن بعون الله بتيسير ما فصلت، ويتم ما نويت.
وقيل: هو درك الأسباب مع موافقة الصواب. وقيل: هو الرجوع في الخبر من غير استعداد له. وقيل: توفيق المتعلم أربعة: ذكار القريحة، استواء الطبيعة، وشدة العناية، ومعلم ذو نصيحة.
فصل
التقليد: قبول قول الغير بلا حجة، واشتقاقه من التلاوة كأنك قلدته عهدة ذلك القول من صواب وخطأ 9 ب/ 1 كالعلاقة في عنقه.
والعلوم ضربان.
أحدهما: ما لا يسوغ فيه التقليد، وهو الأحكام العقلية، من معرفة الله وتوحيده وتصديق رسله، ويلزم فيه الرجوع إلى الدليل، وقد ذم الله تعالى من قلد في ذلك، فقال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} البقرة: 170، فبين أن من يجوز عليه الخطأ والضلال لا يجوز تقليده. وقال أيضًا حكاية عن الكفار: {إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} الزخرف: 22 ونحو ذلك. وكان طريق معرفة العقل والناس كلهم في العقل سواء، فلا