وقال أبو إسحاق: فيه قولان، ولا يعرف للشافعي هذا القول الآخر، إلا أنه قال: لا يبين لي أن أوجب الوضوء عليه فقد مرض القول. وقال: لو صرنا إلى النظر كان إذا غلب عليه النوم توضأ أي حالاته كان، وهذا ليس بقول آخر؛ لأنه لم برجع إلى النظر، بل رجع إلى الخبر. وقيل في"البويطي": ومن نام جالسًا أو قائمًا حتى رأى 106 أ/ 1 رؤيا وجب عليه الوضوء، وهذا يصدق ما قاله أبو إسحاق: لا يمكن أن يجمل على ما لو لم يكن معتمدًا على الأرض بإليتيه، ولا فرق عندنا بين أن يكون مستندًا أو غير مستند.
وقال أبو حنيفة: إن كان مستندًا ينظر، فإن كان يسقط لو رفع المسند انتقض وضوءه. وإلا فلا، وهذا غلط؛ لأن الاعتبار بتمكنه على محل الجدث، وقد وجد.
وقال مالك: إن كان يسيرًا لا ينقص، وإن كان كثيرًا ينقص. وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق، وقال المزني: النوم يوجب الوضوء بكل حال. وبه قال أبو عبيد وحكي هذا عن إسحاق. وهذا غلط لما روي عمرو بن شعيب، عن أبيه، وعن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على من نام جالسًا وضوء حتى يضع جنبه". وروى أيضًا أنه: قال"من نام قاعدًا فلا
وضوء عليه، ومن نام على جنبه فعلية الوضوء"
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فوضع يده على حذيفة وكان نائمًا فانتبه فقال: يا رسول الله أفي هذا وضوء؟ فقال:"لا، أن تضع جنبيك على الأرض" ولأنه ليس هو يحدث في نفسه وإنما ينتقض الوضوء بتوهم خروج الخارج غالبًا، فإذا كان محفوظًا عنه بالتمكن على محل الحدث لا ينقص الوضوء كالقليل منه.
فرع
قال في"الأم": "والنوم الذي يوجب الوضوء الغلبة على العقل كائنا ذلك ما كان قليلًا 106 ب/ 1 أو كثيرًا، فأما ما لا يغلب على عقل مثل النعاس أو حدث من النفس بحيث لا يخفي عليه كلام من يتكلم بحضرته لا يجب به الوضوء. وقال فيه: لو شك هل نام أم لا، وخطر بباله شيء لا يدري أنه رؤيا أو حديث نفس فهو غير نائم حتى يستيقن النوم، ولو استيقن الرؤيا ولم يستيقن النوم فهو نائم، وعليه الوضوء؛ لأن الرؤيا لا تكون إلا في النوم.
فرع آخر
لو نام قاعدًا متمكنًا ثم زال عن مستوى جلوسه انتقص وضوءه إن انتبه بعدما سقط، وإن انتبه عند زواله عنه مستوى جلوسه لا ينتقص وكذلك إن كان زواله عن مستوى جلوسه بيديه وانتباهه معًا لا ينتقص.