فرع آخر
في الريق والنخامة إذا بلع الريق الذي يجتمع في فيه على العادة لا يفطره لأنه يمكنه الاحتراز منه فإن الريق لو انقطع جف حلقه وفسد وإن بزق في كمه ثم أخذه وبلعه فطره، وهكذا إذا أخذه بإصبعه ثم رده إلى فمه وبلعه فطره وهكذا لو رمى به فتدلى من فيه ثم رده وبلعه فطره ولو جمع الريق في فمه حتى كثر ثم بلغ فيه، وجهان:
أحدهما: يفطره لأنه خرج عن العادة ويمكنه الاحتراز منه 278 ب/4.
والثاني: لا يفطره وهو الأصح لأنه لم يفارق محله ولم يوجد منه غير الجمع ومجرده لا يوجب الفطر ولو أخرج لسانه وعلى رأسه ريق ثم رده إلى فمه لا يفطره لأنه لم يفارق محله ولو مص ريق غيره وبلعه فطره فإن قيل: "روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها" (1) قلنا: يحتمل أن يكون مص اللسان في غير الصوم ويحتمل أنه لم يبتلغ فإن مجرد المص لا يفطره قد جرت عادة الخياطين أنهم يبلون الخيط بالريق ثم يردون الخيط إلى الفم ويفتلون فإن لم يكن على الخيط من الرطوبة ما ينفصل عنه لا يبطل صومه بلا خلاف، فإن كانت تنفصل عنه فابتلعها عالمًا أنه يبطل الصوم بطل صومه وإن كان جاهلًا ففيه وجهان:
أحدهما: لا يبطل صومه لأن مثل هذا يخفي ويشتبه على العوام.
والثاني: يبطل صومه لأنه علم أن الواصل إلى الجوف مبطل للصوم وإذا علم ذلك كان من سبيله أن يحترز عن كل واصل إلى الجوف فإذا لم يحترز بطل صومه ولو أخرج البلغم من صدره إلى فيه ثم بلعه فطره قاله صاحب 279 أ/4 "الإفصاح" وغيره لأنه كالقيء وعلى هذا لو جذبه من رأسه فدخل في فيه ثم بلعه يجب أن يفطره قولًا واحدًا ذكره القاضي الطبري، وقال في "الحاوي" (2):فيه وجهان والصحيح أنه إذا أخرجه من حلقه أو دماغه لم يفطره كالريق ولو لم يحصل في فيه ولكن وصل إلى حلقه ومن هناك نزل إلى جوفه لا يفطره عندي لأنه نزل من الجوف إلى الجوف.
مسألة: قال (3): وَإِنْ تَقَيَأَ عَامِدًا أَفْطَر، وَإِنْ ذَرَعَهُ القَيءُ لَمْ يُفْطِرْ.
وهذا كما قال: إذا تقيأ عامدًا أفطر وعليه القضاء ولا كفارة كما لو أكل عامدًا، وإن غلبه القيء لم يفطره كما لو كان ناسيًا وقال ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما: القيء لا يفطر بحال، وقال عطاء وأبو ثور: إن تعمد يلزمه القضاء والكفارة وبقولنا قال مالك وأبو حنيفة، وروي ذلك عن علي وابن عمر رضي الله عنهما والدليل عليه ما روى محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء وإن استقاء فليقض" (4). واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يُفطر من