يريد به أنه دين عليه، والدين يقضى من رأس المال أوصى أم لم يوص كديون الآدميين، وفي هذا الذي ذكره بيان أن الحج والعمرة في الاستئجار سواء عليهما كما أنهما في الأركان وأحكام المحظورات سواء ثم ينبغي أن يستأجر عليه بأقل ما يوجد لأنه تصرف على الظاهر، وظاهر الشافعي بأقل ما يوجد من ميقاته يدلّ على أن عين ميقاته شرط في الحج، وليس المذهب على ما يقتضيه ظاهر اللفظ ومراد الشافعي بهذه العبارة، إما من عين ميقات بلد ذلك الميت، وإما أن يتحرى مقدار تلك المسافة التي بين ميقات الميت وبين مكة، فيحرم متيامنًا لذلك الميقات أو متياسرًا، ولو أحرم قبل محاذاته زاد خيرًا، ولا يجوز مجاوزته، ولو مرّ هذا الأخير على ميقات غير ميقات بلد الميّت 21/ أ لم يجز له مجاوزته بغير إحرام سواء كان ذلك الميقات مثل ميقات الميت من المسافة أو أطول من ميقات الميت، فأما إذا مرّ على ميقات قريب من مكة، وميقات الميت أبعد منه مثل أن يكون الميت من أهل المدينة، وأحرم أحد من يلملم كان تاركًا لبعض الأمر لأن ما بين ذي الحليفة ومكة أضعاف ما بين يلملم ومكة، وإذا ترك بعض النسك، فماذا يكون حكمه؟ سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. وقال بعض أصحابنا بخراسان: هذا ظاهر المذهب، وقال الشافعي في موضع آخر: قد قيل هذا، وقيل: إنه إن لم يوص به لا يحج عنه، وإن أوصى حجّ عنه من الثلث فحصل قولان، وهذا غير صحيح عندي، وقوله: وقيل كذا حكاية مذهب أبي حنيفة.
فَرْعٌ
النذور والكفارات وما وجب عليه باختياره فيه قولان:
أحدهما: يخرج من رأس المال كالحج الشرعي، وهو الصحيح.
والثاني: يخرج من الثلث لأنها أضعف حالًا مما وجبَ شرعًا، وهذا يبطل بالدين، فلا يصح القول به. وقال بعض أصحابنا بخراسان: إن كان هذا الإيجاب في مرضه، فهو من التلف، وإن كان في الصحة، فقولان مشهوران:
أحدهما: من الثلث لأنه متهم في التزامه في حق وارثه لأنه مطالب به في الدنيا.
فَرْعٌ آخرُ
إذا ضاق المال عن ديون الآدميين، وحجة الإسلام فيه ثلاثة أقاويل:
أحدهما: يقدم حجة الإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم: «فدين الله أحقّ أن يقضى».
والثاني: يقدم الدين.
والثالث: يقسم بالحصص.
فَرْعٌ آخرُ
إذا أوصى في الحج الواجب أن يؤدي من الميقات من الثلث، 21/ ب فمعلوم أنه لو لم يرض به لكنا نأمره بذلك من رأس المال، ففائدة قوله: من الثلث أنه يزاحم أهل الوصايا بإدخال النقص عليهم، ثم إذا أصاب الحج قدر لا يكفي للحج من الميقات جبر ذلك بشي من رأس المال حتى يتم المال الذي للحج.