والعمرة. وهي مسألة خلافية فعندنا القران هو المؤخر والإفراد، والتمتع أفضل منه، وأيهما أفضل؟ فيه قولان:
أحدهما: الإفراد أفضل، وهو المشهور من مذهبه. وبه قال مالك.
والثاني: التمتع أفضل. نص عليه في "القديم"، 38/ب وفي اختلاف العراقيين و"مختصر الحج الصغير". وبه قال أحمد وأصحاب الحديث. وقال أبو حنيفة والثوري: القران أفضل، وهو اختيار المزني وأبي إسحاق المروزي. وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه قال: القرآن أفضل، ثم الإفراد، ثم التمتع. وقال أبو يوسف ومحمد: التمتع أفضل ثم القران ثم الإفراد.
وعندنا الإفراد الذي هو أفضل أن يحرم بالحج مفرداً، ثم يأتي عقيبة بعمرة في عامة، فأما إن أراد تأخير العمرة عن حجة، فالقران والتمتع أفضل منه لما يحوزه من فضل المبادرة وأن تأخير العمرة عن الحج مكروه، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "تابعوا بين الحج والعمر" الخبر، والكلام في هذه المسألة في ثلاثة فصول:
أحدها: في أن حج النبي صلى الله عليه وسلم على أي صفة كان.
والثاني: أن الإفراد أفضل، أو القران؟
والثالث: أن دم القران هل هو دم نسك أو دم حبر؟ وقد ذكرنا كلها في الخلاف، فإذا تقرر هذا رجعنا إلى بيان ما ذكر في "المختصر"، فإذا قال: في "مختصر الحج"، وأراد "المختصر الأوسط" دون "المختصر الصغير" (1)، وأحب إلى أن يفرد لأن الثابت عندنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد. فممن روى عنه الإفراد عائشة وابن عمر وجابر وغيرهم رضي الله عنهم، وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حج لم يجب عليه في حجة دم، وهذا أدل الدليل على أنه كان مفرداً لأن القارن والمتمتع يلتزمان الدم، ثم قال (2): في اختلاف الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم، 39/أ قال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة" (3)، وتمام هذا الخير ما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج عام حجة الوداع أحرم إحراماً مبهماً لا يحج ولا بعمرة (4)، وكان ينتظر القضاء في اختيار ما وضع الله تعالى له من الثلاثة التي ذكرناها، وكان قد ساق مع نفسه هدياً، فنزل عليه القضاء، وهو فيما بين الصفا والمروة، فأمر بالحج، وقال لأصحابه، وكانوا قد أحرموا بالحج: من لم يسق الهدي، فليجعلها عمرة، فقيل: يا رسول الله كيف نحل ولم تحل أنت؟ فقال: "أني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى يحل هديي".
وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها