وأما إحرام النبي صلى الله عليه وسلم لأجل أن ميقاته كان قريبًا من المدينة. وأما التغرير فلا يصح لأنه ينبغي أن يحرم من أدني الحل ويتقدم عليه أيضًا.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: هل يكره له الإحرام قبل الميقات؟ فولان قال الجديد: يكره. وقال في "القديم" لا يكره، وقال القفال: قول واحد لا يكره، بل يستحب. وحيث قال: يكره أراد به التشبه بالمحرمين قبله. وهذا غلط ظاهر لأن لفظه في "الجديد" وفي "القديم" ما ذكرنا، ولا يحتمل هذا القول بوجه. وروى الكراهية في ذلك عن عمر بن الخطاب فإنه أنكر علي عمران بن حصين رضي الله عنه إحرامه من البصرة (1). وروى الكراهية عن الحسن وعطاء ومالك.
فَرْعُ
الحج راكبًا أفضل علي المشهور من مذهب الشافعي نص عليه في "الإملاء" لأن النبي صلى الله عليه وسلم حج راكبًا ولأنه يكثر المؤنة في ذلم ويقوى علي الدعاء، والذكر وشهود المشاهد فكان أولى، وهو كالفطر يوم عرفة أولى ليقوى علي الدعاء. وقيل فيه قول آخر: إن الحج ماشيًا أفضل كالصوم في الصيف لأنه أشق. ولأن الشافعي قال: لو أوصى أن يحج عنه ماشيًا حج ماشيًا، ولو نذر الحج ماشيًا لزمه ماشيًا. ومن قال بالأول أجاب عن هذا بأن نصه في الوصية والنذر لا يدل على أنه ماشيًا أفضل لأن الناذر يلزمه ما نذر، وإن كان غيره أفضل كما لو نذر التصدق بدراهم، أو أوصى بها لا يجوز الإبدال بالدنانير وإن كان الدنانير أولى.
باب الإحرام والتلبية 63/أ
مسألة: قال (2): وإذا أراد الرجل الإحرام اغتسل من ميقاته.
الفَصْلُ
استحب لمن أراد أن يحرم بالحج، أو بالعمرة أن يغتسل من الميقات لإحرامه لما روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "تجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه، واغتسل" (3).
وقال الشافعي (4): ما تركت الغسل بالإهلال قط، ولقد كنت أغتسل له مريضًا في السفر وإني أخاف ضرر المرض، وما صحبت أحدًا اقتدى به، فرأيته تركه، وليس ذلك بواجب لأنه غسل لأمر مستقبل.
وقال في " الأم" يستحب ذلك للرجل والمرأة والصبي والحائض والنفساء لأن هذا الغسل يراد للتنظيم فاستوي فيه هؤلاء. وروى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "النفساء والحائض إذا أتتا على المواقيت تغتسلان وتحرمان وتقضيان المناسك كلها غير الطواف بالبيت".
قال في "الأم" (5): ولو كان الوقت موسعًا علي الحائض والنفساء لم يخافا فوت الحج