مسألة: قالَ (1): وليس للمحلّ أن يحلق 91/ب شعر المحرم.
الفصل
لا يجوز للمحرم أن يحلق شعر المحرم ولا للمحلّ أن يحلق شعر المحرم لقوله تعالى: {ولا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} البقرة:196 , والمراد منه أن لا يحلق بنفسه ولا بغيره وانصراف هذا إلى حلقه بغيره أظهر, ولأن العرف جرى بذلك, فإن الإنسان لا يمكنه أن يحلق رأس نفسه إلا نادراً, ولأن حرمة الإحرام تعلقت بهذا الشعر, فلا يجوز حلقه لا لمحرم ولا لمحلّ لا بإذنه ولا بغير إذنه فإن حلقه الحلال نظر فإن كان بأجرة فالفدية على المحلوق رأسه, ولا شيء على الحالق لأنهما, وإن اشتركا في المحظور فقد انفرد المحرم بالترفيه به فليزمه الفدية وحده وقال أبو حنيفة يجب على الحالق أيضاً صدقة, وإن حلقه بغير أمره إلا أنه علم به فسكت ولم يمنعه منه اختلف أصحابنا فيه على طريقين: أحدهما: فيه قولان كما حلقه وهو نائم أو مكره لأن ما طريقه الإتلاف لا فرق بين أن يتلفه بغير علم صاحبه وبين أن يتلفه بعمله, ولكن لم يأذن فيه كما لو أتلف على رجل ثوبه بغير علمه يلزمه الضمان كما لو أتلفه وهو ساكت يلزمه الضمان, ومنهم من قال: يلزم الضمان على المحلوق قولاً واحداً، ويكون سكوته اختياراً منه, وهذا هو الصحيح, لأن شعره لا يخلو إما أن يكون بمنزلة الوديعة عنده أو بمنزلة العارية, وأيهما كان فإذا أتلفه متلف, وهو قادر على منعه, ولم يمنع ضمن.
فإن قيل: أليس لو أمر غيره بقتل الصيد فقتله لم يضمن الأمر, وكذلك لو قتله مع عمله, وهو ساكت لا يضمن الساكت, وان قدر على منعه؟ قلنا: لأن الصيد ليس في يده, والشعر في يده, ولو كان الصيد في يده يضمن أيضاً بهذا, وأما إذا حلقه نائماً أو مكرهاً, فالفدية تجب على الحالق دون المحلوق رأسه, قال أصحابنا: ولكن له أن يطالب الحالق بإخراج الفدية لأنه كان في حفظه, ولأنه يتعلق بمصلحة نفسه, وفدية رأسه فكانت 92/أ له المطالبة به وإن لم يصل إليه فلا شيء عليه, لأنه وجد بغير اختياره كما لو تمعط شعره وهذا هو الصحيح ويه قال أحمد ومالك. وقال بعض أصحابنا: هذا صحيح إلا قوله: للمحلوق مطالبة الحالق بإخراجها" لأن هذا الوجوب على الحالق لحق الله تعالى دون حق المحلوق, فكيف نطالبه بإخراجها؟ قال المزني: فيه قول أخر: تلزم الفدية على المحلوق رأسه, قال المزني: أصبت ذلك في سماعي عليه ثم حط, وهذا أشبه بمعناه عندي.
وقال القاضي الطبري رأيت الشافعي ذكره في المناسك الأوسط (2) في أخر الباب الذي ترجمه ب: "باب ما ليس للمحرم فعله" فقال: افتدى المحرم ورجع بالفدية على الحالق. ولم يخط عليه. وذكره في "البويطى" غير مخطوط عليه, فالمسألة على قولين, قال أبو حامد: وأصل القول أن المحرم مأمور بحفظ شعره وهل يجرى ذلك مجرى حفظ الوديعة, أو مجرى حفظ العارية؟ قولان فإن قلنا: يجرى مجرى حفظ الوديعة, فالفدية