وروى جابر أن رسول الله صَلَى الله عليه وسلم أتى منى فصلّى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح, ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس, ثم سار, وقال في "الحاوى" (1): الإمام في غد يوم التروية, يطوف بالبيت توديعًا له ويصلّي ركعتين فإذا زالت الشمس خرج إلى منى ولم يصلّ الظهر بمكّة, فإذا حصل بمنى صلّى بها الظهر وغيرها, واستحبّ أن يكون صلاته بمنى بمسجد الخيف عند الأحجار التي بين يدي المنارة, فإنها مصلّى رسول الله صَلَى الله عليه وسلم, ويقال له: مسجد العيشومة وذلك أن فيه عيشومة خضراء في الجدب والخصب بين حجرتين من لقبلة وتلك العيشومة قديمة لم تزل هناك ويختار له ان ينزل الخيف الأيمن من منى بين الأخشبين, وهذا كله هيئة فإن تركه فلا شيء عليه.
قال أصحابنا: المبيت بمنى في هذه الليلة للاستراحة ويجري مجرى الهيئة دون النسك المقصود. وقال الشافعي (2): لو ترك المرور بمنى, فلا شيء عليه, وكذلك 126/أ إن مرّ بها, وترك المبيت, فإذا طلعت الشمس يوم عرفة على ثبير وذلك أول بزوغها سار إلى نمرة, وهى وادي عرفة فنزل بها إلى زوال الشمس, فإذا زالت الشمس صار إلى المسجد للصلاة وليس وادي عرفة ولا نمرة, ولا المسجد وتلك الأسواق من عرفة. وقال بعض أصحابنا بخراسان: صدر هذا المسجد من عرنة لا يجوز الوقوف فيه ومؤخرة من عرفات, فإن وقف في قاصية المسجد أجزأه حجّه, وقيل: موضع المحراب والصف الأول من عرنة, والباقي من عرفة.
وقد قال الشافعى في "القديم": وعرفة ما بين الجبل المشرف على بطن عرنة إلى الجبال القابلة يمينًا وشمالً, وقال في "المختصر الأوسط" (3): وعرفة ما جاوز وادي عرنة وليس وادي عرنة, ولا المسجد من عرفة, فإذا أجزت بطن عرنة، فهو من عفة إلى الجبال العالية على عرفة كلها مما يلي حوائط بنى عامر وطريق الحصن, وما جاوز ذلك فليس من عرفة والحدّ الأول أصحّ. وهذا لما روى جابر رضي الله عنه قال: صلّى رسول الله صَلَى الله عليه وسلم الصبح بمنى ثم لما طلعت الشمس أمر بقبة له حمراء من شعر حتى ضربت له بنمرة وسار في أول بزوغ الشمس, فلم تشكُّ قريش أنه يقف على المشعر الحرام كما كانت الجاهلية تفعله في أيامها حتى رأوا قبته بنمرة, فلما أتى نمرة أقام بها إلى أن زالت الشمس، ثم سار منها إلى المسجد الذي بعرنة قرب الموقف وصلّى الظهر والعصر هناك بأذان وإقامتين, ولهذا قلنا: إذا اجتاز بالمشعر الحرام لا يقف عليه, ولا يدعو بخلاف ما يفعل عند رجوعه من الموقف, فإذا تقرّر هذا وأتى المسجد بعد زوال الشمس ابتدأ فخطب خطبة يعلم الناس الوقوف ووقته ووقت الدفع من مزدلفة, وما يصنع فيها 126/ب , فإذا فرغ من الخطبة الأولى جلس جلسة خفيفة قدر قراءة, {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثم يأخذ في الخطبة الثانية, وابتدأ المؤذنون بالأذان, ويكون فراغهم من الأذان مع فراغ الإمام من الخطبة والنزول ثم أقام المؤذن, فيصلّي الظهر ثم يقيم للعصر فيصلّي العصر