عمر ركعتين ومع عثمان رضي الله عنهم صدرًا من إمارتين ركعتين, ثم أتمها ثم تفرقت بكم الطرق (1). وروى أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صلّى أربعًا, فقال: الخلاف شرّ. قال الشافعي رضي الله عنه: إذا كان الإمام مكّيًا 127/ب ,لا يجوز له القصر فيتم, ومن خلفه من المسافرين والمقيمين يتمّون أيضًا, وإن كان الإمام مسافرًا قصر, ومن خلفه من المسافرين وأما من خلفه من المقيمين يتمّونها أربعا, وبهذا قال عطاء ومجاهد الزهري والثوري وأبو حنيفة وأحمد, وقال مالك والاوزعي وإسحاق وسيفان بن عيينة وعبد الرحمن بن مهدي رضي الله عنهم: لا بأس لأهل مكّة أن يقصروا الصلاة بمنى.
وروى عنهم رضي الله عنهم أنهم قالوا: إذا قصر الإمام قصر جميع الناس معه سواء كانوا من أهل مكّة أو غيرهم, واحتجوا بالخبر الذي ذكرنا. وهذا غلط لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبيّ صَلَى الله عليه وسلم قال: "يا أهل مكّة لا تقصروا في اقلّ من أربعة برد" (2) ولأنها مسافة لا يلحقها المشقّة في قطعها غالبًا فلا يستبيح بها القصر كما لو خرج لمكّي إلى منى. وأما الخبر لا حجّة فيه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مسافرًا بمنى فصلّى صلاة المسافر, ولم يقل لأهل مكّة: "لا تقتصروا" اقتصارًا على ما تقدّم من البيان السابق. وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه صلّى بهم فقصر ثم لما سلّم التفت فقال: يا أهل مكة أتمّوا فإنا قوم سفر (3) , وإما عثمان فقد قيل: إنه كان مسافرًا وأتمّ ليدل على جواز الإتمام خلاف قول أبي حنيفة, وإن كان الاختيار القصر ولهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أتمّ الصلاة بعد ذلك واعتذر بقوله: الخلاف شرّ, فلو كان الإتمام لا يجوز لكان الخلاف له خيرًا لا شرًا.
وقال إبراهيم النخعى: إنّما صلّى عثمان أربعًا لأنه اتخذها وطنًا, وقال الزبيري: إنما فعل ذلك لأنه اتخذ الأموال بالطائف وأراد أن يقيم بها, وكان ابن عباس يقول: المسافر 128/أ إذا قدم على أهل أو ما شبه أتمّ الصلاة, وبه قال أحمد. وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أتمّ الصلاة وقصر بمنى وتأويله عندنا أنه كان في مكّة على نية الإقامة, فأتمّ الصلاة فلما خرج من مكّة نوى السفر, فخرج إلى عرفة نيته السفر ليقضى نسكه وينصرف وإذا كان بهذه الصفة, له القصر عندنا. وقال الوليد بن مسلم: وافيت مكّة وعليها محمد بن إبراهيم, فكتبت إليه أن يقصر الصلاة بمنى وعرفة يقصر, فقام سفيان الثورى وأعاد الصلاة, وقام ابن جريج فأتمّها, ثم دخلت المدينة, فلقيت مالك بن انس, فذكرت ذلك له, فقال: أصاب الأمير وأصاب مالك, ثم دخلت مصر فلقيت الشافعي رضي الله عنه فقال: أخطا الأمير ومالك