والثاني: المستحبّ أن يأكل الثلث, ويتصدق بالثلث, ويهدي الثلث إلى المتحملين من جيرانه. وهو الصحيح وعليه نص في "الأوسط" (1) لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} الحج: 36 والقانع الذي يقنع بالقليل ولا يسأل, وقيل: القانع: السائل, يقال: قنع الرجل إذا سأل, والمعتر: هو الذي يعترض بالسؤال ولا يسأل.
فَرْعٌ
هل يجوز الأكل من الهدي المنذور؟ قال أصحابنا: فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز الأكل منه, لأنه واجبٌ.
والثاني: وهو اختيار أبي إسحاق وكثير من أصحابنا: يجوز أن يأكل منه, لأنه متطوع 144/ أ بإيجابه على نفسه, فكأن إلحاقه بالتطوع أولى. وقال القاضي الطبري: نصّ في "الأوسط": أنه لا يجوز له الأكل منه, فقال (2): ما كان واجبًا من الهدي ليس له حبسه ولا أكل شيء منه كهدي الفساد وجزاء الصيد والنذور والمتعة. ومن أصحابنا من قال: يجوز, وهو خلاف النص, وهذا أصوب.
مسألة: قال (3): وقد حل من كل شيء إلا النساء فقط.
في الحج تحللان, فإن قلنا: الحلاق ليس من المنسك, وإنما هو إطلاق محظور يحصل التحلّل الأول برمي جمرة العقبة يوم النحر, والتحلّل الثاني بالطواف والسعي إن لم يكن سعى, وإن قلنا: إن الحلاق من النسك, وأنه من أعمال التحلّل, كأن أعمال التحلّل ثلاثة: الرمي والحلق والطواف. وأكثر أصحابنا على أن التحلّل الأول يحصل على هذا القول باثنين من الثلاثة, إما بالرمي والحلق, أو الرمي والطواف, أو الحلق والطواف.
وقال القاضي أبو حامد: قال القاضي في "المختصرين الكبير" و "الصغير": التحلّل الأول يحصل بالرمي وحده, وهو يذهب في هذين الكتابين إلى أن الحلق من النسك, فمن أصحابنا من جعل هذا قولاً آخر على هذا القول, وأما العمرة فلها تحلل واحد, وهو الفراغ, فغن قلنا: الحلاق من النسك تحلل بأربعة أفعال, وإن قلنا: الآخر تحلل بثلاثة أفعال, فإذا تقرر هذا, فالكلام الآن فيما يحل بالتحلّل الأول والثاني.
فاعلم أن محظورات الإحرام عشر, خمسة من الزينة, وهي اللباس والطيب, وترجيل شعر الرأس واللحية بالدهن, وحلق الشعر وتقليم الأظافر, وثلاثة في الزوجية: الوطء والاستمتاع بدون الوطء من اللمس بالشهوة والقبلة, والوطء دون 144/ ب الفرج, وعقد النكاح واثنان في الصيد, فيدخل فيه الاصطياد. وقيل: تسعة, فجعل الاستمتاع بشهوة الوطء وما دونه. والصواب عندي إحدى عشر فنضم ستر الرأس إلى ما ذكرنا أولاً, فإذا تقرر هذا, فمنها ما يحل بالتحلّل الأول, ومنها ما يحل بالتحلّل