أبقي لي" وكان صورة الحال أنه كان بينهما سترة وتصل يد كل واحد منهما إلى الإناء.
واحتج الشافعي في أول هذا الباب بحديث أنس بن مالك وتمامة أنه قال أذن بلال يومًا, فرجع رجال إلى دورهم وبقي رجال في المسجد لا يأوون إلى أهل, فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء يعني 136 أ/ 1 إناء فجعلوا يشربون إليه فقال: "ما لهم" فقيل: لا ماء معهم, فوضع يده في الإناء حتى رأيته يثني أصابعه من ضيق الإناء, وقال لهم: "هلموا إلى الوضوء المبارك" فرأيت الماء ينبع من تحت أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توضأ الناس من عند آخرهم فقيل له: كم كانوا؟ فقالوا: ما بين السبعين إلى ثمانين. ومعلوم أنهم توضئوا واحدًا بعد واحد, فحصل وضوء بعضهم من فضل بعض.
وأما الخبر الذي احتج به, قال محمد بن إسماعيل البخاري: هذا الخبر لا يصح وهو موقوف, ومن رفعه فقد أخطأ, ثم يحتمل أنه كان فسخ بخبرنا بدليل أن ميمونة قالت: فقلت: "إني قد اغتسلت منه" وهذا يدل على مقدم النهي, أو يحمل على ما استعملته,
وسأل عن أعضائها, ثم ذكر الشافعي الأخبار الدالة على أن بدن الحائض طاهر, فلا يجوز أن يصير الماء الفاضل عنها مهجورًا.
والمسألة الثانية: أنه لا حد لأقل ما يجوز التوضئ به والغسل من الماء. وقال في"الأم": أقل ما يكفي فيما أمر بغسله أن يأخذ الماء ثم يجزيه عليه والمستحب أن لا ينقص في غسله عن صاع, وفي وضوئه عن مد, فإن أمكن بدون ذلك جاز فقد يرفق بالقليل فيكفي ويخرق بالقليل فلا يكفي ويختلف ذلك باختلاف الأبدان".وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع.
وروي عن 136 ب/ 1 جابر- رضي الله عنه- أنه سئل عن الغسل فقال: يكفيك صاع. فقال رجل: ما يكفيني, فقال جابر: قد كان يكفي من كان خيرًا منك وأوفر منك شعرًا.
وروي البخاري عن عائشة رضي الله عنها- أنها قالت: "كنت اغتسل أنا ورسوله الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من قدح يقال له الفرق". قال الشافعي في "الأم" والفرق ثلاثة آصع يكون ستة عشر رطلاً، وحكي عن محمد أنه قال: لا يمكن المغتسل أن يعم