ذلك.
قال في "الأم ": نظر فإن كان لحبسه غاية وأن يدرك معها الحجّ، وكانت طريقه آمنة بمكة لم يتحللّ، فإن أرسل مضى، وإن كانت مدة حبسه مغيبة عنه لا يدري غايتها، أو كانت غايتها بحيث لا يدرك معها الحجّ متى أطلق كان له التحلّل كما في الحصر العام. وقال جماعة من أصحابنا: لا فرق بين الحصر العام والحصر الخاص في التحلل، ولكن يفترقان في لزوم القضاء، فهل يلزم القضاء في الحصر الخاص؟ قولان:
أحدهما: يلزم القضاء، لأنه لا يعم المشقّة والضرورة.
والثاني: لا يلزم، وفي الحصر العام لا يلزم قولا واحدًا. وقال بعض أصحابنا بخراسان: هل يتحلل في الحصر الخاص؟ قولان، وهذان القولان مبنيان على أنه إذا حبس أهل بلده عن الحج في أول ما يجب عليهم لا يستقر الحج في ذممهم، ولو حبس واحد منهم دون الجماعة هل يستقر؟ قولان. والأصح أنه لا يستقر وهذا لأنه عذر نادر كالخطأ في العدد والاعتماد على ما سبق، فإذا تقرر هذا، لا يجوز له التحلل ما لم يهد.
وبه قال أبو حنيفة وأحمد، وقال مالك: يتحلّل ولا دم عليه، لأنه غير مفرط، وهذا غلط لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} البقرة: 196، والأخبار التي ذكرناها، ولأنه خرج من نسكه قبل تمامه، فيلزمه الدم كالفائت حجّه.
فرع
قد ذكرنا أنه يجوز التحلل بالإحصار عن العمرة، وحكي عن مالك، أنه قال: لا يجوز له أن يتحلّل منها، لأنه لا يخاف فواته، وهذا غلط لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} البقرة: 156، 231/ ب وهذا يرجع إلى الحج والعمرة لقوله تعالى في الابتداء: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} البقرة: 196، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان محرمًا عام الحديبية وتحلل، لأن التحلل جاز للمشقة بالمقام على الإحرام وهذا موجود في العمرة.
فرع آخر
لو أحاط بهم العدو من جميع الجوانب، فهل يتحلل؟ وجهان:
أحدهما: لا يتحلل لأنه لا يستفيد بالتحلل شيئًا.
والثاني: يتحللّ لأنه يأمن بذلك من العدو ومن أحد الجوانب.
فرع آخر
لو أحصر في الحرم كأنه أحرم بمكة ثم أحصر، فإن مكن من البيت ومنع ما عداه من الوقوف وغيره كان له التحلل، فإن أقام على إحرامه حتى فاته الحج. قال أصحابنا: يتحلل بعمل عمرة، وعليه القضاء وشاة إن تحلل قبل الفوات، قال في "الأم": تحلل بطواف وسعي وحلاق وذبح، ويلزمه دم التحلل، وهل يلزمه القضاء؟