ومن أصحابنا من قال: يحلّ لهم كما لغيرهم، لأن بحصولهم في هذا الموضع صاروا من أهله. وقال بعض أصحابنا بخراسان: يريد بالرفقة الذين معه على السفرة أو النهد دون أهل القافلة كلهم، 250/أ وهذا حسن، وقيل: يحرم على سائقه أن يأكل ولا يحرم على غيره أن يأكل منه إن احتاج إليه لما روي من خبر أخر أنه قال: "انحره ثم خلّ بينه وبين الناس".
ذكوه أبو سليمان الخطابي رحمه الله. وإنما يحلّ أكل هذا إذا خلّى بينه وبين المساكين لفظاً، بأن يقول: أبحته لهم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نحر البدن، قال: "ليقطع من شاء منكم"، وهذا لأن له أن يخص به من شاء من الفقراء، فإذا تقرر هذا فمن سمع الإذن حلّ له أن يأخذ، ومن لم يسمع وجهل، هل تلفظ به صاحبها، هل يحل له الأكل منها؟ فيه قولان:
أحدهما: يحل نص عليه في "الأم"، لأن الظاهر أنه أباح لفظاً. وقال في "الإملاء": لا يحلّ حتى يتحقق ذلك، فإن نحره، ولم يبحه لفظاً للمساكين ضمنه، وكذلك إن ترك نحره حتى مات ضمنه، وإن أكل منه ضمنه. وبه قال مالك، نص عليه في "الأم".
وقال بعض أصحابنا بخراسان: لا يحتاج إلى اللفظ ويباح للفقراء بهذه الإمارة كمن وضع ماء على الطريق وجعل عليه إمارة الإباحة، فللناس الشرب منه، ومن قال بالأول فرق بأن أصل الماء على الإباحة بخلاف الهدي.
وإذا قلنا: يضمن ما أكله، قال صاحب "الإفصاح": قال الشافعي عليه بدله لمساكين الحرم وعندي القياس أن يجعله لمساكين الموضع، وهذا غلط، لأنه يمكن إيصال ثمنه إلى مساكين الحرم، ولا يمكن حمل الذبيحة إليهم، وهو كما يجب حمل الولد إليهم دون اللبن.
فَرْعٌ آخرُ
لو أتلف الأجنبيّ هذا الهدي يلزمه القيمة، فإن كانت القيمة مثل 250 /ب ثمن مثلها اشترى بها مثلها، وإن كانت أكثر ولم يبلغ ثمن المثلين اشترى المثل.
وفي الفاضل الأوجه الثلاثة، وإن كانت أقل من ثمن المثل، ففيه الأوجه الثلاثة.
فَرْعٌ آخرُ
لو كان الهدي الذي نذره اشتراه ووجد به عيباً، بعد النذر لا يمكنه الردّ بالعيب ويرجع بالأرش ويكون الأرش للمساكين، وماذا يفعل به؟ الحكم على ما ذكرنا.
فَرْعٌ آخرُ
لو نذر أن يهدي حيواناً غير النعم لا يذبحه بل يتصدّق به حيّاً على فقرا، مكّة، لأن الذبح فيه لا يكون قربة، وإذا لم يكن قربة كان نقصاً، وكذلك إذا أهدى تصدّق به على فقراء مكّة.