قال في الحاوي: اعلم أن الصيد إذا أدرك حياً، فالاعتبار في إباحته بذابحه دون صائده، فإن صاده مجوسي، وذبحه مسلم حرم، ولو صاده مسلم وذبحه مجوسي حرم.
فأما إذا أدرك الصيد ميتاً، فالاعتبار في إباحته بصائده دون مالك الآلة، فإن أرسل مسلم كلب مجوسي، فصاد كان صيده حلالاً؛ لأنه صيد مسلم، ولو أرسل مجوسي كلب مسلم، كان صيده حراماً؛ لأنه صيد مجوسي.
وقال محمد بن جرير الطبري: الاعتبار بمالك الكلب دون مرسله، فيحل ما صاده المجوسي بكلب المسلم، ويحرم ما صاده المسلم بكلب المجوسي، وبناه على أصل تفرد به أن الكلب لو تفرد بالاسترسال من غير إرسال حل صيده وهذا فاسد الأصل، لمخالفة النص.
وحكى في التفريع؛ لأن الإرسال قد رفع حكم الاسترسال، وكذلك لو رمى مسلم بعمهم مجوسي عند قوسه حل، وعكسه المجوسي؛ لأن الاعتبار بالصائد لا بالآلة، ولهذا إذا كانت الآلة مغصوبة كان الصيد للصائد دون صاحب الآلة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الصيد لمن صاده لا لمن أثاره".
فصل:
فإذا تقررت هذه الجملة، فصورة مسألتنا أن يجتمع مسلم ومجوسي على صيد يرسل كل واحد منهما كلبه عليه أو يرسل أحدهما عليه كلباً، والآخر فهداً أو بازياً أو سهماً سواء تماثلا في آلة الاصطياد أو اختلفا، فإن الحكم فيهما سواء وإذا كان كذلك لم يخل حال المرسلين في الصيد من سبعة أقام:
أحدها: أن يشترك كلب المجوسي وكلب المسلم على إمساك الصيد وقتله فيكون حراماً؛ لأنه قد اجتمع تحليل بكلب المسلم، وتحريم بكلب المجوسي، واجتماع التحريم والتحليل في العين الواحدة يوجب تغليب التحريم على التحليل، كالأمة بين شريكين يحرم على كل واحد منهما إصابتهما؛ لاجتماع التحليل في حقه والتحريم في حق شريكه.
والثاني: أن يشركا في إمساكه ثم يموت من غير اشتراك في قتله، فيحرم، لأن الامساك صار قتلاً، فصار كاشتراكهما في قتله.
والثالث: أن يشتركا في جراحه من غير إمساك، فيحرم؛ لأنهما قاتلاه إلا أن يكون كلب المسلم قد ابتدأ بجراحه، فوجأه بقطع حلقومه أو بإخراج حشوته ثم أدركه كلب المجوسي مضطرباً فجرحه فيحل بتوجيه كلب المسلم، ولا يحرم لما تعقبه من جراح كلب المجوسي، كالشاة المذبوحة إذا أكل منها سبع لم تحرم وان كانت باقية الحركة.
والرابع: أن يشتركا في إمساكه، وينفرد أحدهما بقتله، فيحرم سواء انفرد بقتله كلب المجوسي أو كلب المسلم لحدوث القتل عن الإمساك المشترك.