فالخبِر عن اِبنِ عباسِ والقياس أن لا يأكُلُهُ لِأنّه يمّكُنّ أن يُكوِّن قِتلُهُ غيْره. قالُ اِبنِ عباسِ: كُلّ ما أصميت ودع ما أنميْتُ وما أصميت وأنتِ تِراهُ وما أنميْتُ ما غابُ عنكِ فقتلهُ إلّا أن يبلُغ مِنه مبلغ الذِّبحِ فلا يضُرُّهُ ما حدثُ بعده".
قال في الحاوي: وصورتها أن يرمي صيداً بهم أو يرسل عليه كلباً، فيغيب الصيد عنه، ثم يجده ميتاً، فهذا على ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون السهم أو الكلب قبل مغيب الصيد قد بلغ منه مبلغ الذبح وهو يراه، ثم تحامل الصيد بضعف الحياة حتى غاب عنه، ثم وجده ميتاً، فهذا مأكول؛ لأنه قد صار مذكى عند مشاهدته، فلم يحرم ما حدث بعده.
والثاني: أن يغيب الصيد قبل أن يقع فيه السهم، وقبل أن يجرحه الكلب، ثم يجده بعد غيبته مجروحاً ميتاً، فهو حرام لا يؤكل سواء كان السهم واقعاً فيه والكلب واقعاً عليه، أو لا؛ لأنه قد يجوز أن يشارك عقر الكلب في قتله جراحة سبع أو لسعة أفعى، ويغرب فيه سهم إنسان آخر، فلما احتمل هذا وغيره وجب أن يكون محرماً؛ لأنه على أصل الحظر.
والثالث: أن يقع فيه السهم ويجرحه الكلب، وهو يراه ويغيب عنه، وهو قوي الحياة، ثم يجده ميتاً، فهي مسألة الكتاب.
والذي نص عليه الشافعي، ونقله المزني أنه لا يؤكل للخبر عن ابن عباس والقياس.
وقال في كتاب " الأم":لا يؤكل إلا أن يكون قد ورد فيه خبر، فيسقط حكماً خالفه، ولا يقوم له رأي، ولا قياس، وقد ورد فيه خبر، وهو ما روي أن أبا ثعلبة الخشني قال: "يا رسول الله إني أرمي الصيد وأجده ميتاً، فقال: كله ما لم تر فيه أثر غيرك" وروي أن عدي بن حاتم قال: "يا رسول الله إني أرمي الصيد فأقتفي أثره اليوم والثلاثة واجده ميتاً، فقال: "كله ما لم ينتن ". وروي: ما لم يصل: أي لم يتغير، وهذان الخبران قد وردا من طريق ضعيف، فإن لم يصح واحد منهما، والحكم فيه ما نص عليه أنه غير مأكول، وإن صح هذان الخبران أو أحدهما، فهو مأكول، واختلف أصحابنا في صحته، فذهب أكثر البصريين إلى أنه ليس بصحيح، ولا ثابت، وأن المسألة على قول واحد إنه غير مأكول.
وذهب أبو العباس بن سريج وأكثر البغداديين إلى أنه قد صح، وثبت، وأن في إباحة أكله قولين:
أحدهما: وهو منصوص عليه أنه غير مأكول.