والثالث: أن يشك في إثباته بها.
فإن علم أن الأول قد أثبت الصيد بجراحته. وذلك بأن يكسر رجل ما يعدو وجناح ما يطير، فهو ملك للأول دون الثاني؛ لأنه بالإثبات قد صار مملوكاً، فوجب أن يكون ملكاً لمثبته، وإن لم يصر إلى يده كما لو وقع في فخه أو شبكته، وإن علمنا أو الأول لم يثبته بجراحته وذلك بأن يراه بعد الجراحة يعدو أو يطير، وهو للثاني دون الأول لوجود الإثبات بجراحته.
فإن قيل: فكل واحد من الجرحين قد أثر في إثباته، فهلا كان بينهما كما لو جرحا عبداً فمات فكان ضمانه عليها، ولم يكن على الثاني منهما.
قيل: لأن الجراحة الأولى في الصيد لم تؤثر في الملك، فلم توجب الاشتراك فيه، والجراحة الأولى في العبد مؤثرة في الضمان، فأوجب الاشتراك فيه، وإن شككنا في جراحة الأول، هل أثبت الصيد بها أم لا؟ وجب أن يكون الشك مطرحاً واليقين معتبراً فيكون للثاني دون الأول؛ لأنه أصل الاقتناع حتى يتيقن ما عداه، ويتيقن الإثبات مع الثاني دون الأول، فصار ملك الصيد هنا بين أن يكون الأول في حالة واحدة وبين أن يكون الثاني في حالتين، ولا يصح أن يكون بينهما نصفين؛ لأنهما فيه غير متساويين.
فصل:
فإذا تقررت هذه الجملة، فإن جعلنا الصيد ملكاً للثاني؛ فلا ضمان في تلفه على الأول، ولا على الثاني، أما الأول فلأنه جرحه في حال الإباحة، وأما الثاني فلأنه قد جرحه في ملكه فلم يضمنه في حق نفسه، وإن جعلها الصيد ملكاً للأول بإثباته، وجرحه الثاني، فسرت الجراحة إلى نفسه فمات، فقد صار موته من جراحتين مختلفي الحكم: فالجراحة الأولى مستجلبة للحكم، مبيحة للأكل لو انفردت، والجراحة الثانية مستهلكة للملك محرمة للأكل لو انفردت، فإذا اجتمعت الجراحتان مع حصول الاستهلاكين والتحريم، فقد اختلف أصحابنا هل يكون حكم الاستهلاك والتحريم مختصاً بالجراحة الثانية فيكون الثاني ضامناً لجميع القيمة، ويكون مضافاً إلى الجراحتين والقيمة مقسطة على الجراحتين؟ على أربعة أوجه:
أحدها: وهو الظاهر على مذهب الشافعي، وهو قول جمهور أصحابه، أن حكم الاستهلاك والتحريم مضافاً إلى الجراحتين، وأن قيمة الصيد المستهلكة مقسطة على الجارحين، لأن التلف كان لسراية الجراحتين، فلم يمنع اختلاف حكمهما من تقسيط الضمان عليهما، كما لو قطع الصيد يد عبده في الرقة وقطع أجنبي يده في جناية، ومات منهما كان على الجاني نصف قيمته؛ لأنه مات بسراية القطعتين، وإن كان الأول فيهما مباحاً غير مضمن كذلك في هذه الجراحتين.
والثاني: وهو قول أبي سعيد الإصطخري أن الضمان مختص بالجراحة الثانية وعلى الجارح الثاني جميع القيمة بعد الجراحة الأولى، قال: لأن الجراحة الأولى لما