ما بعد عن طلبه بطيرانه إن كان من الطير أو بعدوه إن كان من الدواب، فلم يقدر عليه إلا بآلة يتوصل بها إليه. وأما غير الممتنع، وهو صغاره الذي لم يتكامل قوته، ولا يقدر أن ينهض بجناح، وإن كان طائراً، ولا يعدو برجل إن كان دابة قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} المائدة:94 فيه تأويلان:
أحدهما: معناه: ليكلفنكم إباحة ما أحله، أو حظر ما حرمه.
والثاني: ليختبرنكم في قبول أوامره، والانتهاء عن زواجره {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ ورِمَاحُكُمْ} فيه تأويلان:
أحدهما: ما: تناله أيدينا الصغار، ورماحنا الكبار، قاله ابن عباس فإن كان الصيد غير ممتنع لصغر لم يملك إلا بالأخذ والتناول؛ لقوله تعالى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ} المائدة:94 ولا تكون ذكاته إلا في الحلق واللبة؛ لأنه مقدور عليه، فلو دل عليه رجل وأخذه آخر، كان ملكاً لآخذه دون الدال عليه، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الصيد لمن صاده لا لمن أثاره"، فلو نبش عليه أحدهما بيته حتى طيره، وأخذه الآخر كان للآخذ دون النابش، فلو وقعت أيديهما عليه كان لأسبقهما يداً، فإن استوت أيديهما معاً كان بينهما يستوي فيه من أخذ برأسه ومن أخذ برجله أو ذنبه، ولا يقسم عليهما بقدر أيديهما عليه، ومواضعهما منه؛ لأن اليد على بعضه يد على جميعه ألا ترى أن رجلين لو تنازعا على دابة في يد أحدهما رأسها وفي يد الآخر ذنبها كانا في اليد عليها سواء.
فصل:
وأما الممتنع بعدوه أو طيرانه، فيملك بأحد ثلاثة أشياء:
أحدها: بالأخذ والتناول بأن يظفر به في بيته، أو يعقله على مائة أو حضانة ولده وبيضه، فيصير بحصوله في يده ملكاً له، وان كان باقياً على امتناعه لو أرسل.
والثاني: أن يقع في شبكته أو شركه، فلا يقدر على الخلاص، فيصير بحصوله فيها ملكاً لواضع الشبكة والشرك سواء كان حاضراً أو غائباً، وسواء عقرته الشبكة أو لم تعقره، إذا لم يقدر على الخلاص منها، فإن قدر على الخلاص لم يستقر ملكه عليه في حال قدرته على الخلاص إلا بأحد أمرين.
إما أن يأخذه بيده ويصير بوقوعه فيها أحق به من غيره، وإن أخذه غيره صار الآخذ له أملك به من صاحب الدار، فإن أفضت الشبكة باضطراب الصيد فيها إلى عجزه عن الخلاص منها، فقد ملكه حينئذٍ صاحب الشبكة، وإن أخذه في هذه الحال غيره، كان صاحب الشبكة أحق به، ولو انقطعت الشبكة فأفلت الصيد منها. نظر في قطع الشبكة، فإن قطعها الصيد الواقع فيها عدا بعد انفلاته إلى حال الإباحة وملكه من صاده؛ لأنه بان أن الشبكة لم تثبته، ولو قطعها غيره من صيود أُخر اجتمعت على قطعها كان باقياً على ملك صاحبها، لا يزول عنه بانفلاته منها؛ لأنها قد أثبتته، فلا يملكه غيره إذا صاده،