يصير مالكاً له بجراحته، وسواء كانت الجراحة مما يسلم من مثلها أو لا يسلم، وسواء طال زمان امتناعه أو قصر زمان رماه آخر، فأثبته كان ملكاً للثاني دون الأول، وهي مسألة الكتاب؛ لأن إثباته من فعل الثاني دون الأول، ولو لم يرمه آخر حتى ثبت بجراحة الأول صار حينئذٍ ملكاً للأول، لأنه قد صار مثبتاً له، فإن ثبت بالعطش بعد الجراحة نظر، فإن كان عطشه لعدم الماء لم يملكه الجارح، وإن كان عطشه لعجزه عن وصوله إلى الماء ملكه الجارح؛ لأن الجراح مؤثرة في العجز دون الماء.
والثالثة: أن يقصر عن امتناعه من غير وقوف بمكانه، فيعدو دون عدوه ويطير دون طيرانه، فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يكون بما بقي فيه من العدو والطيران يمتنع به عن أن تناله الأيدي فلا يملكه الجارح، ويكون باقياً على حكم امتناعه؛ لأنه لو لم يكن فيه من القوة إلا هذا القدر لكان بها ممتنعاً.
والثاني: أن لا يمتنع بما بقي له من العدو والطيران عن الأيدي، وتناله يد من أراده، فيصير بهذه الحالة مثبتاً يملكه جارح ويكون أحق به من آخذه؛ لأنه قد صار بها غير ممتنع، فلو رمى صيداً فأصابه ثم مرق السهم منه، فأصاب صيداً ثانياً ومرق من الثاني، فأصاب ثالثاً ملك منها ما أثبته دون ما لم يثبته، سواء كان أولاً أو آخراً، فإن أثبت جميعها ملكها، وان لم يثبت شيئاً منها لم يملكها، والله أعلم.
مسألة:
قالُ الشّافِعيِ رحمهُ اللهُ تعالى:" ولوْ رمّاهُ الأول بِهذِهِ الحال فقتلهُ ضِمن قيَمتُهُ لِلثاني لِأنّه صار لهُ دونهُ. قالُ اِلمِزِنّي رحمهُ اللهُ: ينبغي أن يُكوِّن قيَمتُهُ مجروحا الجُرحيْنِ الأولين في قياسِ قوْلِهُ".
قال في الحاوي: وصورتها في رجل رمى صيداً فجرح، ولم يثبته، ورمى آخر فجرحه وأثبته، وعاد الأول فجرحه، ومات، فقد صار ملكاً للثاني بإثباته، وعلى الأول ضمانه للثاني بجراحته الثانية، تعليلاً بما قدمناه من الأصول المغررة، وإذا صار في ضمان الأول لم يخل حال جراحته الثانية من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون موحية في الحلق واللبة، فعليها أرشها، وما بين قيمته حياً مجروحاً، وما بين قيمته مذبوحاً.
والثاني: أن تكون جراحته موحية في غير الحلق واللبة، فعليه جميع قيمته مجروحاً جرحين؟ لأنه أفسد لحمه.
والثالث: أن تكون جراحة غير موجية، فهل يضمن جميع قيمته، أو يضمن قسط