فصل:
فإذا ثبت ما وصفنا وكان للمضحين أضحيتان فذبح كل واحد منهما أضحية صاحبه بغير أمره فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يفرق كل واحد منهما لحم ذبيحته فلا يجزئه عن نفسه؛ لأنه لا يملكها ولا يجزئ عن صاحبها، لأنه ما قام بما عليه فيها، ويضمن كل واحد منهما لصاحبه قيمة أضحيته، ولا يجوز أنهما يتقاسمان القيمة لخروجها عن ملك كل واحد منهما بالإيجاب، وفي القيمة وجهان:
أحدهما: - وهو قول الجمهور- إنه يضمن قيمتها قبل الذبح، وهي حية كالجاني.
والثاني: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة _ أنه يضمن أكثر الأمرين من قيمتها وهي حية أو قيمة لحمها بعد الذبح لتعديه بالتفرقة كتعديه بالذبح، وهو عندي أصح، فإذا أخذ كل واحد منهما قيمة أضحيته صرفها في مثلها وكان في فصلها ونقصانها على ما ذكرنا، ويكون أرش الذبح داخلاً في ضمان القيمة فسقط بها.
والضرب الثاني: أن يكون لحم كل واحد منهما باقياً فلكل واحد منهما أن يأخذ لحم أضحيته، ولا يجوز أن يتبادلا باللحم، لأنه لا يجوز صرفه إلا في مسلك الضحايا، ويرجع كل واحد منهما على صاحبه بأرش الذبح، وفي مصرف هذا الأرش ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون للمضحي خاصة، لأن حق المساكين في عين الأضحية، وليس هذا الأرش منها.
والثاني: أن يكون للمساكين؛ لأنه ليس للمضحي منها إلا ما يأكله من لحمها، وليس هذا الأرش منها.
والثالث: أن يسلك به مسلك الضحايا لاستفادته منها.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله: "فإذا ذبح ليلا أجزأه ".
قال في الحاوي: ذبح الأضحية ليلاً مكروه لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الذبح ليلاً، ولأنه ربما أخطأ محل ذبحها بظلمة الليل، ولأنه يصير مستنيرا بها والمظاهرة بها أولى، ولأنه ربما أعوزه المساكين في الليل، ولأنه ربما تغير اللحم إذا استبقى إلى النهار وصل فلهاه المعاني كرهنا ذبحها في الليل، فإن ذبحها فيه أجزأه.
وقال مالك: لا يجزئه لما قدمناه ولقول الله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} الحج: 28. فخص الأيام بها دون الليالي.