وقال أبو حنيفة: إذا كانوا متقربين جاز أن يشتركوا مفترضين ومتطوعين سواء أكانوا أهل بيت أو بيوت شتى وإن كان بعضهم متقرباً، وبعضهم يريد سهمه لحماً لم يجز أن يشركوا، لأن مصرف القرب واحد ومصرفها مع اللحم مختلف. والدلالة على مالك حديث جابر قال: "نحرنا بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة". وقد كانوا أشتاتاً من قبائل شتى، ولو اتفقت قبائلهم لم تتفق بيوتهم، ولو اتفقت لتعذر أن يستكمل عدد كل بيت سبعة حتى لا يزيدون عليهم، ولا ينقصون منهم، فبطل به قول مالك في الافتراض والاقتران، وروى جابر قال: أمرنا رسول - صلى الله عليه وسلم - أن يشترك السبعة في بدنة، ونحن متمتعون عام الوداع وهذا يدل على جواز اشتراك المفترضين، لأن دم التمتع فرض.
ولأن كل ما جاز أن يشترك فيه السبعة إذا كانوا مفترضين كالسبع من الغنم وفي هذا انفصال.
والدليل على أبي حنيفة: أن كل ما جاز أن يشترك فيه السبعة إذا كانوا مفترضين جاز أن يشتركوا فيه وإن كان بعضهم غير متقرب كالسبع من الغنم ولأن سهم كل واحد معتبر بنيته لا بنية غيره، لأنهم لو اختلفت قربهم، فجعل بعضهم سهمه عن قران وبعضهم عن تمتع، وبعضهم عن حلق، وبعضهم عن لباس جاز كذلك إذا جعل بعضهم سهمه لحماً، لأن نية غير المتقرب لا تؤثر في نية المتقرب.
وقوله: إن مصرف القرب واحد غير مسلم، لأن مصرف الفرض غير مصرف التطوع ومحل الهدي غير محل الأضاحي.
فصل:
فإذا ثبت ما ذكرنا ونحر السبعة المشتركون بدنة، فإن كانوا متقربين ودفعوا لحمها إلى المساكين ليكونوا هم المقتسمين لها جاز وان كان بعضهم غير متقرب يريد سهمه لحماً يقاسمهم عليه، فإن قيل في القسمة: إنها إقرار حق وتمييز نصيب جازت القسمة وكان المتقربون بالخيار بين أن يقاسموهم قبل دفع سهامهم إلى المساكين، وبين أن يدفعوها قبل القسمة إلى المساكين، ويكون هم القاسمين، وان قيل: إن القسمة بيع لم يجز القسمة فإن أراد المتقربون أن يتقاسموه لم تجز لمعنيين:
أحدهما: أن لحوم القرب لا يجوز أن يبيعها المتقرب.
والثاني: أن الطعام الرطب لا يجوز بيع بعضه ببعض خوف الربا، وان أراد المساكين أن يتقاسموه لم يجز أن يتقاسموه لمعنى واحد، وهو خوف الربا، لأن بيعهم لما أخذوه من القرب جائز وان تركوه حتى يجف ثم اقتسموه جاز.