أحدها: أن يتفقوا على استطابته، فيكون حلالاً.
والثاني: أن يتفقوا على استخباثه فيكون حراماً.
والثالث: أن يستطيبه بعضهم ويستخبثه بعضهم، فيعتبر فيه أكثرهم فإن استطابة الأكثرون كان حلالاً، ولم يكن لاستخباث الأقلين تأثير.
وان استخبثه الأكثرون كان حراماً، ولم يكن لاستطابة الأقلين تأثير وإن تساوى الفريقين في الاستطابة والاستخباث، ولم يفصل أحدهما على الآخر اعتبرت قريش، لأنهم قطب العرب وفيهم النبوة، وهم أول من خوطب بالرسالة، فإن كانوا في المستطيبين حلّ، وان كانوا في المستخبثين حرم، وان تساوت قريش فيهم اعتبرت شبه ما اختلفوا فيه بما اتفقوا عليه، فإن كان المستطاب أشبه حل.
وان كان المستخبث أشبه حرم.
وإن تساوى الأمران ففيه وجهان، من اختلاف أصحابنا في أصول الأشياء قبل ورود الشرع، هل هي الإباحة أو الحظر؟
أحد الوجهين: أنها على الإباحة حتى يرد الشرع بالحظر، فعلى هذا يكون معاً تكافؤ اختلافهم فيه حلالاً.
والثاني: أنها على الحظر حتى يرد شرع بالإباحة، فعلى هذا يكون تكافؤ اختلافهم فيه حراماً، فأما السنة فتأتي.
فصل:
فأما ما لم يكن في أرض العرب، ولا في بلاد العجم، اعتبرت فيه حكمه في أقرب العرب عند من جمع الأوصاف المعتبرة من بلاد العرب، فإن استطابوه كان حلالا، وإن استخبثوه كان حراماً، فإن اختلفوا فيه اعتبر حكمه عند أهل الكتاب دون عبدة الأوثان، فإن اختلف فيه أهل الكتاب اعتبرت فيه حكمه في أقرب الشرائع بالإسلام، وهي النصرانية، فإن اختلفوا فيه فعلى ما ذكرناه من الوجهين.
مسألة:
قال الشافعي: "وسمعت أهل العلم يقولون في قول الله عز وجل: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الانعام: 145 الآيه يعنى مما كنتم تأكلون ولم يكن الله عز وجل ليحرم عليهم من صيد البر في الإحرام إلا ما كان حلالا لهم في الإحلال والله أعلم فلما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل الغراب والحدأه والعقرب والحية والفأره والكلب العقور دل ذللك على أن هذا مخرجه ودل على معنى آخر أن العرب كانت لا تأكل مما اباح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتله في الإحرام شيئاً".