نعم. قلت: أيؤكل؟ قال: نعم قلت: أسمعت ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "نعم".
وهذا نص وقد ورد عن الصحابة فيه ما صار في الحجة كالإجماع، فروي عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا: الضبع حلال، وقال أبو هريرة: الضبع شاة من الضأن، وقال أبو سعيد الخدري: الضبع أحب إلي من دجاجة سمينة، وقد انتشر هذا عنهم ولم يظهر مخالف لهم فكان متردداً بين أن يكون إجماعاً أو حجة في كل واحد منهما دليل، ولأنه حيوان لا ينجس بالذبح، فوجب أن يحل أكله كالنعم.
فأما الجواب عن الاستثناء بالخبر، فهو ما قدمناه من التعليل فيه، وكذلك قياسهم.
فصل:
وأما الضب فهو عندنا حلال، وعند مالك حرام، وعند أبي حنيفة مكروه، واحتج مالك برواية ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: أتي بالضب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبى أن يأكله وقال: لا أدري لعلها من القرون التي مسخت.
واحتج لأبي حنيفة برواية عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما ترى في الضب فقال: "لست آكله ولا أحرمه ".
ودليلنا ما رواه الشافعي عن مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عبد الله بن عباس وخالد بن الوليد أنهما دخلا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت ميمونة فأتي بضب مجنون فأهوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده، فقال بعض النسوة لميمونة: أخبري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يريد أن يأكل، فقالوا: هو خبث فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده فقلت: أحرام هو يا رسول الله فقال: "لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه" قال خالد: فأجررته وأكلت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر.
وروى الشافعي عن إبراهيم بن محمد عبد الله بن أبي صعصعة عن سليمان بن يسار عن ابن عباس قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت ميمونة ومعه خالد بن الوليد، فإذا خباب فقال: من أين لكم هذا؟ فقالت: أهدت إلى أختي؟ فقال لخالد بن الوليد، ولابن عباس: كلا، قالا: ولا يأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أنى تحضر من الله حاضرة.
وفي هذين الحديثين نص على الإباحة، وقد روى مالك أحدهما، وهو له ألزم، وليس في الحديثين المتقدمين دليل على التحريم، وإنما فيها امتناع من الأكل.
وقد روى أبو إسحاق الشيباني عن يزيد الأصم أنه أنكر الرواية، أنه قال: لا آكله