فإن قيل: فكيف أبحتم أكل القنفذ وقد روى أبو هريرة أنها ذكرت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "خبيثة من الخبائث".
قيل: يحتمل إن صحّ الحديث على أنها خبيثة الفعل دون اللحم، لما فيه من إخفاء رأسه عند التعرض لذبحه، وإبداء شوكه عند أخذه.
فأما أم حبين ففي إباحة أكلها وجهان:
أحدهما: تؤكل، وهو مقتضى كلام تعليل الشافعي، وقد نص على أن فيه الجزاء.
والثاني: أنها لا تؤكل، وهو مقتضى تعليل المروزي، وقد قال فيها البدوي ما قال.
فصل:
فأما أكل الحمير، فما كان منها وحشياً فأكله حلال، روى الشافعي عن مطرف بن مازن عن معمر بن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قبالة عن أبيه قال: بينما أنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية، وقد أحرم من أحرم من أصحابي، ولم أحرم، فإذا أنا بحمار وحشي، فحملت عليه فطعنته برمحي فصرعته، فأكلنا من لحمه، ثم لحقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: أصبت حماراً وحشياً وعندي منه فأكله وقال للقوم وهم محرمون: "كلوا فأكلوا" فدل هذا الحديث على ثلاثة أحكام: على إباحة أكل الحمار الوحشي، ودل على أن زكاة الصيد الممتنع في أي موضع أصيب من جسده، ودل على أن المحرم يحل له أن يأكل من صيد المحرم إذا لم يصده لأجله.
وروى الصعب بن جثامة قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجل حمار وحشي، فرده علي فتعمر وجهي، فلما عرف الكراهة في وجهي قال: ما بنا رد عليك، ولكنا قوم حرم، فامتنع من أكله لإحرامه، فإن الصعب صاده لأجله بعد إحلاله من الإحرام. وفي قول الصعب: رجل حمار وحشي تأويلان:
أحدهما: يعني به أحد رجليه التي يمشي عليها.
والثاني: أنه أراد جماعة حمير يقال لها: رجل، كما يقال حيط نعام، وسرب ظباء، وهو أشبه، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقصد وهو في كثير من أصحابه بهدية عضو من حمار.
فأما الحمير الأهلية فأكلها، واختلف أصحابنا، هل حرمت باستخباث العرب لها أو بالنص في المنع منها؟ على وجهين، وبتحريمها قال جمهور الصحابة والتابعين والفقهاء، وقال عبد الله بن عباس وسعيد بن جبير: أكلها حلال احتجاجاً بحديث رواه الشافعي عن سفيان عن مسعر عن عبيد بن الحسن عن أبي معقل قال: أخبرنا رجلان من مزينة قالا: قلنا يا رسول الله إنه لم تبق لنا الشدة إلا الحمر أفنأكل منها؟ فقال: أطعما