والثاني: ومنه قال أبو حنيفة: إن أكلها حلال، لأنهما يلقطان الحب ويأكلان الزرع ولحمهما مستطاب، وكل طائر حرم أكل لحمه حل أكل بيضه.
مسألة:
قال الشافعي: "وكذلك تترك العرب اللحكاء والعظاء والخنافس فكانت داخله في معنى الخبائث وخارجه من معنى الطيبات فوافقت السنه فيما أحلوا وحرموا مع الكتاب ما وصفت فانظر ما ليس فيه نص تحريم ولا تحليل فان كانت العرب تأكله فهو داخل في جمله الحلال والطيبات عندهم لأنهم كانوا يحللون ما يشتطيبون وما لم يكونوا يأكلونه باستقذاره فهو داخل في معنى الخبائث ولا بأس بأكل الضب وضع بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعافه فقيل: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: "لا ولكن لم يكن بأرض قومي" فأكل بين يديه وهو ينظر إليه ولو كان حراما ما تركه وأكله".
قال في الحاوي: وهذا صحيح، حشرات الأرض وهوامها حرام فالهوام ما كان مؤذيا كالحيات والعقارب، وحشراتها ما ليس بمؤذٍ كالخنافس والجعلان، والديدان والنمل، والوزع والعظاء واللحكاء وهي دويبة كالسمكة تسكن في الرمال إذا أحست بالإنسان غاصت فيه، وهي صقيلة الجلدة، والعرب تشبه أنامل المرأة بها، والوزع وهو كالسمكة خشنة الجلد، ويعرض مقدمها، ويدق مؤخرها، فهذا كله غير مأكول.
وأباح مالك أكل جميعه، وكره الحية، ولم يحرمها، وكذلك الفأرة والغراب وفيما قدمناه من الدليل معه على هذا الأصل مقنع، وسواء في تحريم الديدان ما تولد في الطعام أو في الأرض، ومن الفقهاء من أباح أكل ما تولد في الطعام، وحرم أكل ما تولد في الأرض، وكلاهما مستغيث، فاستويا.
وهكذا الذباب والزنابير، وسواء كان من زنابير العسل وغيرها، فإن قيل: فإذا كان عسلها مأكولا، فهلا كان أكلها حلالاً؟
قيل: هي مستخبثة ومؤذية، وليس يمتنع أن يحرم أكلها، وان حلّ عسلها كألبان النساء في إباحة شربه مع تحريم لحومهن فأما ما يحل أكله، فيكثر تعداده، وهو ما يمنع الحرم والإحرام من قتله وفيه إذا أصابه المحرم الجزاء إلا يسمع.
وما تولد من بين مأكول وغير مأكول، فإنه لا يؤكل، ويجب فيه الجزاء، تغليباً للحظر في الأمرين.
وقال أبو العباس بن القاص: لا جزاء فيه، لأنه غير مأكول، ووهم فيه، لأن تغليب الحظر موجبه، والله أعلم بالصواب.